شهد العقدان الأخيران تحولا لافتا في موازين القوى داخل صناعة السيارات العالمية، وصعدت الشركات الصينية لتصبح لاعبا رئيسيا، ليس فقط في السوق المحلية، بل كذلك من خلال استحواذات إستراتيجية على شركات عالمية كبرى لصناعة السيارات إضافة لتشكيل شراكات عابرة للحدود أعادت تشكيل المشهد الصناعي العالمي.
تأتي هذه التحركات ضمن إستراتيجية صينية بعيدة المدى تهدف إلى تأمين التفوق في صناعة السيارات المستقبلية، لا سيما في مجالات المركبات والسيارات الكهربائية.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الزحف الصيني، ما يثير تساؤلات حول مستقبل المنافسة العالمية، وموقع الشركات الغربية في ظل تحولات القوة الصناعية والاقتصادية.
وفي هذا التقرير تعرض الجزيرة نت أبرز شركات صناعة السيارات العالمية التي استحوذت عليها الشركات الصينية، وأبرز الشراكات بين شركات صناعة السيارات العالمية والشركات الصينية.
أبرز الاستحواذات الصينية على شركات السيارات العالمية
1- استحواذ جيلي على فولفو
استحوذت شركة تشجيانغ جيلي (Zhejiang Geely) الصينية على شركة (فولفو للسيارات) التابعة لشركة فورد الأميركية في صفقة تاريخية أُبرمت في أغسطس/آب 2010، وبلغت قيمتها 1.8 مليار دولار.
بدأت بوادر هذه الصفقة منذ عام 2002 عندما أبدى مؤسس جيلي، لي شوفو، اهتمامه بفولفو، وانتهز الفرصة عندما قررت فورد بيع العلامة السويدية بعد الأزمة المالية العالمية، وتمكّنت جيلي من إتمام الصفقة مع التزامها بالحفاظ على هوية فولفو واستقلاليتها الإدارية والثقافية، وفقا لوكالة رويترز.
وبدعم من جيلي، دخلت شركة فولفو مرحلة جديدة من الابتكار والتوسع، حيث استثمرت أكثر من 11 مليار دولار في البحث والتطوير، وشهدت الشركة في السنوات التالية انتعاشا كبيرا، مع إطلاق طرازات حديثة مثل الجيل الثاني من طراز إكس سي90 وارتفاع مبيعاتها عالميا لتتجاوز نصف مليون سيارة سنويا وفقا لمنصة شركة فولفو.

2- استحواذ سايك موتور على إم جي موتور
إعلان
في ديسمبر/كانون الأول من عام 2007، استحوذت شركة "سايك موتور" (SAIC Motor)، وهي إحدى أكبر شركات صناعة السيارات المملوكة للدولة في الصين، على العلامة التجارية البريطانية العريقة "إم جي موتور" (MG Motor).
جاء هذا الاستحواذ نتيجة مباشرة لاستحواذ "سايك موتور" على شركة نانجينغ للسيارات في العام نفسه، وكانت نانجينغ أوتو استحوذت على حقوق علامة (إم جي) في عام 2005 مقابل 53 مليون جنيه إسترليني (72.3 مليون دولار)، بعد انهيار شركة (MG Rover) البريطانية. وبذلك، انتقلت ملكية "إم جي موتور" رسميا إلى "سايك موتور"، كما ورد على الموقع الرسمي للشركة ووكالة أنباء رويترز.
كانت شركة شنغهاي للسيارات، التابعة لمجموعة سايك استحوذت على الأصول الرئيسية من نانجينغ أوتو، مقابل 286 مليون دولار أميركي، وفقا لرويترز.
3- استحواذ جيلي على شركة لوتس البريطانية
في سبتمبر/أيلول 2017 استحوذت مجموعة تشجيانغ جيلي القابضة (Zhejiang Geely Holding Group) على حصة أغلبية في شركة لوتس البريطانية للسيارات الرياضية الفاخرة (Lotus).
وتمتلك جيلي الآن 51% من أسهم لوتس أدفانس تكنولوجيز المحدودة (لوتس)، بينما تمتلك مجموعة إيتيكا أوتوموتيف (إيتيكا)، وهي مجموعة سيارات ماليزية، النسبة المتبقية البالغة 49% وفقا لمنصة مجموعة تشجيانغ جيلي، وهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
أبرز الشراكات بين شركات صناعة السيارات العالمية والشركات الصينية
1- جيلي ومرسيدس بنز
في عام 2019، باعت شركة مرسيدس-بنز، من خلال شركتها الأم "دايملر" (Daimler)، حصة 50% من ملكيتها في العلامة التجارية "سمارت" (Smart) لصالح مجموعة جيلي القابضة الصينية.
جاءت هذه الشراكة الإستراتيجية بهدف إحياء علامة "سمارت" وتحويلها إلى علامة كهربائية بالكامل، مع نقل عمليات الإنتاج إلى الصين. وبموجب هذا المشروع المشترك، تتعاون "جيلي" و"دايملر" في تصميم وتطوير الجيل الجديد من طرازات "سمارت" الكهربائية، مع الحفاظ على الطابع الأوروبي في التصميم والدقة في الأداء وفقا لمنصة "واردز أوتو" (ward’s auto) وشركة "أوتونومي" (Autonomy) الفرنسية.

2- جيلي ورينو
بدأت رينو تعاونها مع شركة جيلي القابضة في عام 2022 عندما استحوذت الأخيرة على حصة 34% في "رينو موتورز كوريا"، مما أتاح للشركة الصينية الوصول إلى الطاقة الإنتاجية في آسيا.
ومنذ ذلك الحين، دخلت جيلي في شراكة مع رينو لامتلاك شركة "هورس باورترين" (Horse Powertrain)، وهي مشروع مشترك يضم موارد تطوير وتصنيع محركات الاحتراق الخاصة بكل منهما حيث تمتلك كل منهما 45% بينما تمتلك شركة أرامكو 10%، وفقا لشركة "أوتونومي" (Autonomy) الفرنسية.
وفي وقت سابق من هذا العام (2025)، أعلنت جيلي أيضا أنها ستستثمر في "رينو دو برازيل" (Renault do Brasil) كمساهم أقلية، ما يوفر للصينيين إنتاجا محليا وشبكة توزيع في البرازيل، وقد تحول هذا التعاون بوضوح إلى تعاون عالمي بين الشركتين الفرنسية والصينية.

3- فولكس فاغن وإكس بينغ
يقول المثل: "إن لم تستطع التغلب عليهم، فانضم إليهم"، ويبدو أن هذا ما اختارته العديد من الشركات الأوروبية في السنوات القليلة الماضية من خلال الدخول في شراكات إستراتيجية مع نظيراتها الصينية.
إعلان
ومن أبرز هذه الشراكات ما قامت به مجموعة فولكس فاغن عام 2023، إذ استثمرت 700 مليون دولار لشراء 5% في شركة السيارات الكهربائية الصينية "إكس بينغ" (Xpeng). وفي العام التالي، تم توسيع نطاق هذا التعاون، بهدف الاستفادة من خبرات إكس بينغ في تطوير الهياكل الإلكترونية والبرمجيات المخصصة للسوق الصينية.
وتخطط الشركتان لإطلاق طرازين كهربائيين جديدين يحملان شعار فولكس فاغن في السوق الصينية، على أن يُطرح أول طراز في عام 2026. وتأتي هذه الخطوة في إطار مساعي فولكس فاغن لوقف تراجع مبيعاتها في أحد أهم أسواقها العالمية.
وتعكس هذه الشراكة بوضوح مدى هيمنة الصين على صناعة السيارات الكهربائية عالميا، كما أشارت منصة أوتو نيوز، في ظل تصاعد الدور التقني والتجاري للشركات الصينية في هذا القطاع المتنامي.
4- الشراكة بين "بي إم دبليو" الألمانية وشركة "بريليانس أوتو" الصينية
تُعد بي إم دبليو بريليانس للسيارات المحدودة مشروعا مشتركا تأسس في مايو/أيار عام 2003 بين مجموعة "بي إم دبليو" (BMW) الألمانية ومجموعة "بريليانس أوتو" (Brilliance Auto) الصينية، ويُعد اليوم من أبرز النماذج الناجحة للتعاون الصناعي في قطاع السيارات داخل الصين وخارجها.
تشمل أنشطة الشركة مختلف جوانب سلسلة القيمة في صناعة السيارات، بدءًا من البحث والتطوير، ومرورا بعمليات المشتريات والإنتاج، ووصولا إلى المبيعات وخدمات ما بعد البيع لسيارات "بي إم دبليو" في السوق الصينية.
وانطلاقا من رؤيتها الهادفة إلى تقديم حلول تنقل مستدامة وفاخرة، تسعى "BBA" إلى أن تكون المزود الرائد للتنقل الفردي عالي الجودة في الصين، وفقا لمنصة الشركة عبر الإنترنت.
5- بي واي دي وتويوتا
تعاونت شركتا "بي واي دي" (BYD) وتويوتا، العملاقتان في مجال صناعة السيارات، لتسريع تطوير السيارات الكهربائية في عام 2019.
وأعلنت الشركتان عن شراكة لتأسيس شركة مشتركة تركز على البحث والتطوير للمركبات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات (BEVs) من خلال الجمع بين نقاط القوة التي تتمتع بها "بي واي دي" في تطوير المركبات الكهربائية والقدرة التنافسية مع تكنولوجيا الجودة والسلامة التي تتمتع بها تويوتا.
وأثمرت الشراكة بالفعل عن نتائج، مع إطلاق سيارة تويوتا "bZ3 EV" في الصين، والتي تستخدم تقنية بطارية "بي واي دي"، ويمثل هذا التعاون خطوة مهمة لكلتا الشركتين في سوق السيارات الكهربائية سريع التطور، وفقا لمجلة "إي في مغازين" (EVmagazine).

6- شانغان وفورد
تأسست شركة شانغان فورد عام 2012 وهو مشروع مشترك مملوك مناصفة بنسبة 50/50 بين شركة فورد موتور الأميركية وشركة شانغان الصينية لصناعة السيارات، وتُعد اليوم أكبر قاعدة تصنيع لفورد خارج الولايات المتحدة، بفضل مصانعها في مدن تشونغتشينغ، وهانغتشو وهاربين الصينية، وفقا لمنصة "واردز أوتو".
وفي عام 2023، أعربت فورد عن عزمها على تعزيز وجودها في السوق الصينية عبر مشروع مشترك مع شركة شانغان للسيارات، تديره كل من شانغان فورد وشانغان أوتوموبيل. وسيُركز المشروع، وفقا لوثائق رسمية صينية، على توزيع مركبات فورد الكهربائية والهجينة إلى جانب نماذج بمحركات احتراق داخلي.
وتهدف فورد من خلال هذه الخطوة إلى مواكبة تطورات الكهرباء والذكاء الصناعي في صناعة السيارات. وستمتلك شانغان فورد 60% من المشروع الجديد، بينما تستحوذ شانغان أوتوموبيل 40%، وفقا لوكالة رويترز.

7- أودي وسايك موتور
أعلنت شركة أودي (Audi) التابعة لمجموعة فولكس فاغن، عن شراكة إستراتيجية مع شركة "سايك موتور" (SAIC) الصينية لتطوير منصة سيارات كهربائية ذكية مخصصة للسوق الصينية، وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز تنافسية أودي في أكبر سوق للسيارات في العالم، بعد تراجع ملحوظ في مبيعاتها هناك، خاصة في فئة السيارات الكهربائية.
إعلان
وستُستخدم المنصة الجديدة، والتي أُطلق عليها اسم المنصة الرقمية المتقدمة لتطوير 3 طرازات جديدة كليا من السيارات الكهربائية، ومن المتوقع أن يتم إطلاق أول هذه الطرازات في السوق الصينية عام 2025، مع خطط لتقليل زمن التطوير والإطلاق بنسبة تتجاوز 30% مقارنة بالمعدلات التقليدية، وفق رويترز.
تحول جذري
تعكس هذه الشراكات والاستحواذات التي تقودها الشركات الصينية في قطاع السيارات تحولا جذريا في ميزان القوى الصناعية العالمي، حيث باتت الصين لاعبا رئيسيا في تشكيل مستقبل الصناعة، خصوصا في مجالات السيارات الكهربائية والتقنيات الذكية.
ومن المتوقع أن تعزز هذه التحركات مكانة الصين كمركز عالمي للابتكار والإنتاج، ما يدفع الشركات الغربية إما إلى التكيف عبر التعاون أو مواجهة خطر التراجع، وبذلك، ترسم الصين ملامح جديدة لصناعة السيارات في العقود المقبلة، مع إعادة توزيع النفوذ الصناعي على مستوى العالم.
0 تعليق