السويداء- ارتفع العلم السوري مجددا فوق بناء محافظة السويداء صباح يوم أمس الأحد، في خطوةٍ وصفها متابعون بأنها ترجمةٌ لمخرجات مؤتمر السويداء العام، والذي انعقد منتصف الأسبوع الماضي.
حيث أكّد المشاركون في المؤتمر على الثوابت الوطنية العامة، ووحدة سوريا أرضا وشعبا، وضرورة انخراط أبناء السويداء في الفضاء الوطني السوري العام، ورفض التدخلات الخارجية، وأهمية استقلال القرار الوطني، واحترام السيادة الوطنية، وحتمية رفع العلم الوطني على كافة دوائر ومؤسسات الدولة، وعودة الرايات الدينية إلى مكانها في دور العبادة.
وتعيش السويداء في جنوب دمشق عزلة سياسية جرّاء تقديم محافظها مصطفى البكور استقالته، عقب اعتداءٍ تعرّض له من قبل مسلحين خارجين عن القانون يوم الأربعاء 22 مايو/أيار الماضي أثناء تأديته لعمله اليومي، وبقيت استقالته معلّقة منذ ذلك التاريخ، وبقيت السويداء من دون محافظ جديد.

عودة البكور
يدير الشؤون الخدمية في السويداء حاليا أعضاء المكتب التنفيذي للمحافظة، وقد اجتمعوا مع البكور في منزله بدمشق أواخر الأسبوع الماضي لـ5 ساعات متواصلة، وجرى بحث شؤون المحافظة.
وأوضح المحامي معتصم العربيد، عضو المكتب التنفيذي للمحافظة بأن عودة الدكتور مصطفى البكور إلى السويداء ستكون قريبة، مشيرا إلى موافقة المحافظ على قرار تشكيل لجنة للتعويض عن الأضرار التي لحقت بمنازل وممتلكات سكان قرية الصورة، إثر اعتداء طالها من قبل مسلحين خارجين عن القانون، بالإضافة لقرى أخرى تقع في الشريط الغربي لمحافظة السويداء في أبريل/نيسان الماضي.
وقال العربيد للجزيرة نت "ثمّة حاجة ملحّة لتنظيم الحالة الفصائلية في السويداء ضمن جسم واحد، سواء كانت تسميته فرقة أو فيلقا أو غير ذلك من تسميات عسكرية، وتكون تبعيته في مسألة التعيينات والرواتب والقرار إلى وزارة الدفاع مباشرة"، معتبرا أن هذا هو الحل الأمثل للموضوع الأمني في السويداء، وتحديدا المتعلّق بالحالة الفصائلية المُنفلتة.
إعلان
وأضاف في سياقٍ متصل أن التأخر بتفعيل قوى الضابطة العدلية، ودورها بتأمين وحماية المؤسسات الحكومية بما فيها مبنى المحافظة، كانت له ارتدادات سلبية على الشأن العام، بما في ذلك العبء المُلقى على عاتق أهالي المحافظة الموجودين على حواجز نصبوها في المدينة وفي القرى أيضا منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
الضابطة العدلية
ظهرت العشرات من الحواجز التي أنشأتها مجموعات محلية مسلّحة في مدينة السويداء وقراها، بحجة حماية المحافظة من تهديدات أمنية وشيكة ومحتملة، لدرجة أنّ هذه المجموعات منعت طلاب المدارس في الصفوف الانتقالية من تقديم الامتحانات، متذرعين بحجج أمنية.
وينوّه رئيس المكتب السياسي للمجلس العسكري في جنوب سوريا نجيب أبو فخر أن ملف فوضى السلاح والاستقواء به هو ملفٌ حساس للغاية، ويُمكن من وجهة نظره تصنيف الفئات التي تُعرقل تفعيل الضابطة العدلية في السويداء، أو تتخوّف من تفعيلها إلى 3 فئات:
الأولى: تتكون من فلول النظام السابق والمتورطين معه بصفقات ومكاسب وتجاوزات غير قانونية. الثانية: تتمثل بالمجرمين الجنائيين، وتحديدا تجار المخدرات. الثالثة: الأشخاص من ذوي النوايا الحسنة، أو الذين يصدقون رواية العنف الطائفي والقتل الممنهج والسبي وغير ذلك.وبرأي أبو فخر فإن البدء بتفعيل الضابطة العدلية في السويداء، يجب أن يقترن أولاً بتجهيز السجن المدني، ثم إكمال باقي التجهيزات اللوجستية.
ويقول للجزيرة نت إن "الاتفاق الذي تم بين وجهاء قرية الصورة والأمن العام تضمن تفعيل الضابطة العدلية، ووضع 120 شرطيّا عند مدخل السويداء من جهة تلك القرية، لكنهم وحتى اللحظة لم يستلموا مرتّباتهم الشهرية".
ويطالب بضرورة تأمين سيارات لتلك المنطقة كحالة إسعافية في حال حصول أي طارئ، وتأمين التجهيزات اللوجستية اللازمة لعمل عناصر الشرطة.
يُذكر أن المجلس العسكري تأسس في الجنوب السوري عام 2020 وأعيد هيكلته عام 2022، حيث يشمل مجال عمله دمشق وريفها والقنيطرة والسويداء ودرعا والبادية السورية، ويضم 650 ضابطا وصف ضابط من الذين كانوا في الجبهة الوطنية لتحرير سوريا سابقا، ويقوده العميد ياسر زريقات المنحدر من محافظة درعا.

فوضى السلاح
أحصت الجزيرة نت خلال الفترة الممتدة ما بين 2 و22 يونيو/حزيران الجاري ومن خلال ما تم نشره فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، حدوث 12 جريمة قتل في السويداء، بالإضافة لحالتي وفاة لشابين انفجر فيهما لغمٌ أرضي.
وبحسب المتحدث الإعلامي باسم حركة رجال الكرامة باسم أبو فخر، فإن الكثير من السلاح تدفق إلى أيدي الناس في السويداء بعد سقوط نظام الأسد، وانسحاب الجيش وإخلائه للثكنات العسكرية التي كانت مليئة بالأسلحة.
ويضيف للجزيرة نت "رغم تشكيل فصائل مسلّحة جديدة إما بمكونات عائلية أو مناطقيّة، فقد وصلنا إلى وضع خطيرٍ ومُزرٍ للغاية"، مؤكدا أنه تم تسجيل 9 جرائم قتل في المحافظة خلال الأيام الأربعة الماضية نتيجة وجود هذا السلاح المنفلت.
إعلان
وأكد أنه لا بديل عن حضور مؤسسات الدولة، وأن الحل الأمثل يكمن بقيام تلك المؤسسات، وعلى رأسها الضابطة العدلية مدعومةً من المؤسسة العسكرية لضبط الوضع الأمني في السويداء.
واستدرك "لكننا نجد، أنّ تفعيل الضابطة لا يزال شكليا، حيث تنقصها المعدّات والأدوات اللازمة لعمل أفراد الشرطة، بالإضافة إلى ضرورة توفير أسلحة وآليات ووسائل النقل".
ويشير أبو فخر إلى أهمية تفعيل الاتفاق الذي أبرمته الفصائل الثورية في السويداء مع الإدارة الجديدة، والقاضي بتشكيل جهاز أمني من أبناء المحافظة، وفتح باب انضمام الفصائل الثورية إلى وزارة الداخلية، "وهكذا يتم دعم جهاز الشرطة المحليّ مع تقديم الدعم اللوجستي اللازم من قبل الدولة من معدات وأسلحة وآليات ووقود"، حسب قوله.
بدورها، قامت حركة رجال الكرامة بتطويع وتنسيب عدد من مقاتلي الحركة وضمّهم إلى ملاكي وزارتي الدفاع والداخلية، بحسب ما ذكره أبو فخر، مضيفا "نحن الآن بصدد تنسيب باقي مقاتلي الحركة إلى وزارتي الدفاع والداخلية، وخلال الأيام القادمة سيتم فتح باب الانتساب أمام الجميع ضمن توافق شعبي وعام مدعوم من قبل أهل السويداء".
مضامين الاتفاق
تُبدي الفصائل المسلحة الكبيرة في السويداء -مثل حركة رجال الكرامة ولواء الجبل- توافقا حول أهمية دور الدولة ومؤسساتها في المحافظة، وعلى حدّ تعبير المتحدث الإعلامي باسم لواء الجبل زياد أبو طافش، فإن غياب الدولة وشرطتها بعد التحرر من النظام البائد نجم عنه فراغ كبير.
وأضاف للجزيرة نت "نحن نُجدّد دعمنا الكامل لتفعيل اتفاقية الأول من أيار، وتنفيذ توصيات مؤتمر السويداء الوطني الذي انعقد أخيرا برعاية مشايخ العقل ووجهاء المحافظة وقادة الفصائل المسلحة، والذي مثّل نقطة انطلاق نحو ضبط الفوضى، وتأمين مقومات الحياة اليومية، ومهد الطريق إلى مرحلة من النهوض الاقتصادي والخدمي الحقيقي في المحافظة".
ويتضمن اتفاق الأول من (مايو) أيار الذي جمع بين المرجعيات الدينية والعسكرية والاجتماعية الدرزيّة في السويداء، والحكومة السورية 5 نقاط أساسية:
تفعيل الضابطة العدلية في السويداء من قبل أفراد سلك الأمن الداخلي من أبناء المحافظة، والذين كانوا يديرون هذا الجهاز خلال فترة حكم نظام الأسد للبلاد. رفع الحصار عن المناطق الدرزية: السويداء، وجرمانا، وأشرفية صحنايا، وإعادة الحياة إلى طبيعتها الاعتيادية هناك. تأمين طريق دمشق السويداء، وضمان سلامته تحت إشراف الدولة السورية. وقف تبادل إطلاق النار في جميع المناطق ذات الغالبية الدرزية. اعتبار أن أي إعلان يخالف هذه البنود أو يتجاوزها إعلان أحادي الجانب.
0 تعليق