حافظت معدلات التسوق في دولة الإمارات على استقرارها منذ بداية عام 2025، ما يشير إلى دخول السوق مرحلة من النضج الشرائي، مبتعدة بذلك عن موجة «التسوّق الانتقامي» التي أعقبت الجائحة الصحية نهاية 2020 والتي اتسمت بالإنفاق العاطفي والاندفاعي لتعويض فترات الإغلاق والقيود.

بينما يستمر الإنفاق الاستهلاكي في تسجيل معدلات نمو جيدة فإن المؤشرات الحالية تعكس توجهاً أكثر وعياً في سلوك المستهلكين.

ويؤكد خبيران بقطاع التسوق أن دولة الإمارات تتمتع ببنية قوية في القطاع السياحي وتوافد الأثرياء بالإضافة إلى تحول الدولة إلى مركز إقليمي للقطاع بدعم مراكز ووجهات تسوق عالمية المستوى.

نمط إنفاق مرتفع

يقول فيجاي فاليشا، الرئيس التنفيذي للاستثمار في شركة «سنشري فاينانشال»: «إن ظاهرة التسوّق الانتقامي اجتاحت الأسواق العالمية بعد انتهاء الجائحة الصحية 2020، إلا أن نمط الإنفاق المرتفع لا يزال واضحاً في الإمارات.

وعلى الرغم من اعتدال حدة الظاهرة، فإن هذا النوع من التسوق قد لا يزال يسهم في تحفيز الإنفاق الاستهلاكي، لاسيما في قطاعات التكنولوجيا وأسلوب الحياة.

وأضاف: «وفقاً لتقرير حديث عن السوق، أنفق المستهلكون في الإمارات ما يقارب 32.3 مليار درهم على التسوق الإلكتروني خلال 2024 ولا تظهر هذه النزعة أي مؤشرات على التراجع ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم 50.6 مليار درهم بحلول 2029».

وأشار فاليشا، إلى أن الأسس الاقتصادية القوية تعزز الزخم في قطاع التجزئة؛ حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للدولة الإمارات بنسبة 4% خلال 2024، ليصل إلى 1.776 تريليون درهم، في دلالة واضحة على قوة القطاعات غير النفطية، ما يعزّز بدوره ثقة المستهلكين ويزيد من مستويات إنفاقهم.

ابتعاد عن التسوّق الانتقامي

قال شوجا جاشنمال، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات جاشنمال الوطنية: «كان التسوّق الانتقامي ظاهرة واضحة في فترة ما بعد الجائحة، حيث سعى المستهلكون إلى تعويض الوقت والتجارب التي فاتتهم من خلال الإنفاق على الكماليات وقد أسهمت البنية التحتية القوية لقطاع التجزئة في دولة الإمارات، إلى جانب ارتفاع الدخل المتاح للإنفاق وثقافة تقدّر نمط الحياة والرفاهية، في تسريع التسوق والابتعاد عن التسوّق الانتقامي».

وأضاف: «مع ذلك وبينما كان دافع التسوّق الانتقامي في البداية عاطفية، إلا أن القطاع اتجه تدريجياً نحو نمط إنفاق أكثر وعياً وارتكازاً على التجربة ويبحث المستهلكون في الإمارات حالياً عن القيمة، والتفاعل الحقيقي مع العلامات التجارية، بدلًا من التسوّق القائم على الكم».

وقال جاشنمال: «استجابت قطاعات التجزئة لهذه التغيرات من خلال تعزيز التجارب متعددة القنوات، وتقديم عروض شخصية، ورفع معايير الخدمة المتميزة وهي مؤشرات على أن فترة ما بعد التسوّق الانتقامي قد أدت إلى نشوء مشهد استهلاكي أكثر تطوراً ووعياً».

وأوضح جاشنمال قائلاً: «يُقدّر حالياً معدل انتشار التجارة الإلكترونية في دولة الإمارات بنحو 15% ومن المتوقع أن ينمو عاماً بعد عام لذا نسعى إلى مواكبة هذا التحوّل من خلال تقديم نموذج التجارة الشاملة بسلاسة، لتلبية احتياجات العملاء».

زيادة ثقة المستهلك

شهد قطاع التجزئة في الإمارات نمواً ملموساً خلال السنوات الأخيرة، مدفوعاً بزيادة ثقة المستهلك، فوفقاً لتقرير صادر عن IMARC Group، بلغت قيمة سوق التجزئة في الإمارات نحو 145.3 مليار دولار في عام 2024 ومن المتوقع أن ترتفع إلى 227.1 مليار دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 5.1% بين 2025 و2033.

وتوقعت Alpen Capital نمو مبيعات التجزئة في الإمارات إلى 139.1 مليار دولار بحلول 2028، بمعدل سنوي مركب 5.4% مدعومة بالبنية التحتية المتطورة وزيادة إنفاق السياح والطلب على السلع الفاخرة.

وعلى صعيد التجارة الإلكترونية، أظهرت بيانات ECDB أن حجم السوق سيصل إلى 5.94 مليار دولار خلال 2025، مع معدل نمو سنوي مركب 7.3% حتى عام 2029 كما بلغ متوسط الإيرادات الشهرية في أبريل 2025 436 مليون دولار، ما يعكس نمواً شهرياً بمعدل 1.6% مقارنة بشهر مارس.

وقد أكدت بيانات «إي زد دبي» بالتعاون مع Euromonitor أن حجم الإنفاق عبر التجارة الإلكترونية في الإمارات وصل إلى 32.3 مليار درهم (8.8 مليار دولار) في عام 2024، مع توقعات بأن يتجاوز 50.6 مليار درهم (13.8 مليار دولار) بحلول عام 2029

وتوضح مؤشرات أخرى أن التجارة الإلكترونية تمثل حالياً 10-15% من حجم التجزئة الكلّي في 2024، كما يتوقع تراوح النسبة بي 15-20% عام 2025.

مؤشرات إيجابية

ويقدم قطاع الإلكترونيات مؤشرات إيجابية ضمن المشهد الرقمي، حيث تشير بيانات ECDB إلى أن حجم السوق الإلكترونية للأجهزة الإلكترونية بلغ 1.89 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات لنمو يصل إلى 2.03 مليار دولار في 2025 وبمعدل نمو سنوي مركب 7.1% بين 2025 و2029 وقد ارتفعت الإيرادات الشهرية في مايو 2025 بنسبة 3.6% مقارنة بالشهر السابق، لتبلغ 157.5 مليون دولار.

وتشير هذه البيانات إلى أن قطاع التسوق عبر المتاجر التقليدية أو المنصات الرقمية يسير بثقة نحو مرحلة من الاستقرار والنضج، مع انتقال تدريجي من الإنفاق العاطفي إلى توجه أكثر وعياً.