السفر من الورق إلى المنصات الرقمية - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بارفين جيتروال *

طرأت ثورة هادئة على قطاع السفر الدولي، خلال السنوات العشرة الماضية، فقد غدت المطارات أكثر تطوراً، وبدأت بعض البلدان بتطبيق حلول التأشيرات الرقمية. في الواقع، لم تعد عملية «عبور الحدود» محصورة في الطوابير والأختام، بل باتت تتم عبر النقرات والمسح الضوئي والتدفقات الانسيابية.
تُحدث التكنولوجيا تغييراً جذرياً في كيفية تنقلنا حول العالم. يمثل الانتقال من الأنظمة الورقية إلى المنصات الرقمية أسلوب تفكير جديداً، وليس مجرد تحسين في الإجراءات، فهو يعكس الإدراك المتزايد لدى الحكومات والمسافرين، على حد سواء، بأن التنقل هو تجربة رقمية متكاملة في المقام الأول.
إن المحرك الأساسي لتغيير تجربة السفر يكمن في كيفية تآزر هذه التقنيات لمواجهة أي تحديات. باتت المصادقة البيومترية، مثل البصمة الحيوية وتقنية التعرف إلى الوجوه ومسح قزحية العين، منتشرة اليوم في مراكز إصدار التأشيرات ونقاط الدخول والخروج الحدودية على مستوى العالم. 
كمثال لذلك، في المطارات الدولية بدولة الإمارات، بات بوسع المسافرين تجاوز عمليات التفتيش البشرية بشكل كامل، من خلال العبور عبر البوابات الإلكترونية المزودة بتقنيات المصادقة البيومترية. وعلى الصعيد العالمي، أبدى ما يزيد على 75% من المسافرين استعدادهم لمشاركة بياناتهم البيومترية، بهدف الحصول على تجربة مطار أكثر سلاسة، وفقاً لتقرير «رؤى المسافرين 2023»، الصادر عن اتحاد النقل الجوي الدولي.
يشير الاتحاد إلى أن إجراءات الصعود إلى الطائرة، والتعامل مع البيانات البيومترية، يمكن أن تحد من أوقات الانتظار في المطارات بنسبة 40% تقريباً، إضافة إلى ذلك، يجد الكثير من المسافرين أن الاطمئنان يفوق السرعة أهميةً. ومع تزايد التحول الرقمي في الرحلات الدولية، أصبح عامل التنبؤ وراحة البال من المتطلبات الأساسية التي لا يمكن المساومة عليها. أما بالنسبة لخدمات طلبات التأشيرات فقد أحدثت أدوات مثل تحديثات الحالة الرقمية، وتتبع الطلبات في الوقت اللحظي، وجدولة المواعيد مع فترات زمنية مرئية، تغييراً جذرياً في كيفية تعامل المسافرين مع أنظمة التأشيرات. لم يعد المتقدمون اليوم أكثر اطلاعاً فحسب، بل أصبحوا أيضاً يتحكمون بشكل أكبر في رحلاتهم.
لا يتوقف هذا الشعور بالتحكم عند مرحلة تقديم الطلب، بل يمتد الآن إلى الحدود، ففي الخفاء، يعمل الذكاء الاصطناعي على تغيير جذري صامت لأسلوب إدارة الحدود. باتت الأنظمة المتطورة اليوم ترصد الحالات غير الطبيعية، وتقيّم بيانات المسافرين، وتكشف عن المخاطر المحتملة آنياً، ما يتيح للسلطات المعنية التصرف بفاعلية وسرعة أكبر. ومع استعادة السفر الدولي لزخمه في عالم ما بعد الجائحة، فإن هذا النوع من التحكم الحدودي الذكي والمترابط يصبح بسرعة المعيار السائد، الذي يمنح الأولوية للأمن والكفاءة دون المساس بتجربة المسافر.
ولكن مع تطور هذه التقنيات تتزايد أيضاً المسؤولية لضمان الشفافية والعدالة. تعد حوكمة الذكاء الاصطناعي المسؤولة -التي تضمن الاستخدام الأخلاقي، والرقابة البشرية، وحماية الخصوصية- أمراً بالغ الأهمية للحفاظ على ثقة المسافرين.
تتجه صناعة السفر نحو مزيد من الشفافية والأمان، بفضل تقنيات مثل «البلوك تشين»، والتي على الرغم من أنها لا تزال في بداياتها إلا أنها تُظهر نتائج مبشرة، لا سيما فيما يتعلق بحماية المعلومات الحساسة كسجلات التأشيرات أو سجلات التطعيم. فبجعلها عصية على التزوير وسهلة التحقق، تُرسخ هذه التقنية مستوى جديداً من الثقة، بحيث يكون جزءاً لا يتجزأ من النظام منذ البداية، وليس كفكرة ثانوية.
تكتسب أوراق اعتماد السفر الرقمية الناشئة، مثل مبادرة One ID التابعة لاتحاد النقل الجوي الدولي، زخماً متزايداً أيضاً، إذ تتيح للمسافرين تخزين وثائق الهوية، والسفر على محافظ رقمية آمنة، لضمان رحلات سلسة عبر الحدود.
من الواضح أن التكنولوجيا باتت في العالم الحديث جسراً أكثر من كونها حاجزاً، فما كان في السابق مجموعة متفرقة من نقاط التفتيش أصبح الآن تجربة واحدة متصلة، بفضل المستندات الرقمية، والأمن المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والإجراءات السريعة لتسجيل الوصول، وتطبيقات الهاتف المحمول السهلة الاستخدام. وبينما تتولى الآلات معظم المهام الشاقة، فإن تجربة المسافر أصبحت أكثر مرونة وشخصية وإنسانية من أي وقت مضى.
لم يعد السفر حول العالم مجرد امتياز، بل أصبح أكثر سهولة وقابلية للتوقع وتمكيناً. وفي هذا العصر الجديد، لم تعد الآثار الورقية التي نتركها وراءنا هي الأهم، بل البصمة الرقمية الموثوقة التي نحملها معنا للمستقبل، جاهزة لأي تطور قادم.
المصادر:
أظهر استطلاع أجراه اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) أن 75% من المسافرين يفضلون استخدام البيانات البيومترية على جوازات السفر وبطاقات الصعود التقليدية - Passenger Terminal Today

الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي والابتكار لدى شركة "في إف إس جلوبال"
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق