إيران تمتص أثر الضربة الأميركية وتخفي طبيعة ردها القادم - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

طهران- في ضربة مباشرة، شنت الولايات المتحدة في الساعات الأولى من فجر اليوم الأحد هجمات جوية باستخدام طائراتها المقاتلة "بي 2" استهدفت 3 مواقع نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، متجاوزة بذلك الخطوط الحمراء التي طالما حذرت منها طهران.

وبينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن "كل الطائرات عادت سالمة بعد إلقاء حمولتها الكاملة من القنابل" سارعت إيران للتأكيد على أن منشآتها النووية الحيوية لم تُمس جوهريا، وذلك بعد تلقي 3 مواقع ضربة مباشرة.

وفي حين تركز الرواية الأميركية على "نجاح تكتيكي" بتوجيه ضربة رادعة، اختارت إيران خطابا يوازن بين طمأنة الداخل وتحذير الخارج، مستندة في موقفها إلى تقارير من هيئة الطاقة الذرية والحرس الثوري الإيرانييْن، إلى جانب تأكيدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم تسجيل أي تسرب إشعاعي أو تلوث بيئي.

وفي ظل تسارع الاتصالات الدبلوماسية الإقليمية وتكثف التحذيرات الدولية من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة شاملة، تبقي طهران موقفها من الرد مفتوحا متجنبة إعلانا صريحا، وهو ما أكده وزير الخارجية عباس عراقجي في مؤتمر صحفي من إسطنبول أن بلاده لن تكشف الآن عن كيفية الرد على هذه الهجمات.

حجم الأضرار

بحسب هيئة الطاقة الذرية الإيرانية، فإن الضربات الأميركية "استهدفت أجزاء سطحية من منشآت نووية خاضعة للرقابة الدولية" دون أن تصيب البنى التحتية الأساسية أو أنظمة التخصيب.

وبينما لم تُعلن طهران عن حجم الخسائر بدقة، تحدثت وكالة تسنيم الإيرانية عن "أضرار جزئية فقط في منشأة فوردو" في حين أشارت مصادر رسمية إلى أن أجهزة الطرد المركزي ووحدات التخزين "لم تُمس".

وبالموازاة، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في بيان لاحق أنها لم تسجل ارتفاعا في مستويات الإشعاع النووي خارج المنشآت المستهدفة، وهو ما اعتبرته طهران دليلا على أن نظام الأمان النووي قد "أدى وظيفته بنجاح".

إعلان

وكانت طهران قد أكدت عبر التلفزيون الرسمي أنها سبق أن أخلت المنشآت التي تعرضت للهجمات الأميركية قبل الهجوم، ونقلت اليورانيوم المخصب إلى أماكن محمية وغير مكشوفة.

في وقت أشارت تقارير صحفية من مؤسسات غربية -من بينها "واشنطن بوست" وبالاستناد إلى صور أقمار صناعية- إلى وجود نشاط مكثف لشاحنات ومركبات لوجستية في محيط منشأة فوردو قبل يومين من القصف، مما يعزز احتمال أن تكون إيران قد نقلت معدات أو مواد حساسة قبيل الضربة.

وفي تأكيد ضمني، نقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني رفيع أن "معظم اليورانيوم عالي التخصيب تم نقله إلى مكان غير مُعلن عنه قبل الهجوم الأميركي" مما يفسر غياب آثار إشعاعية كبيرة أو تسرّب نووي.

A worker works at the Fuel Manufacturing plant at Isfahan Uranium Conversion Facility 440 km (273 miles) south of Tehran April 9, 2009. REUTERS/Caren Firouz (IRAN POLITICS ENERGY)
الرسائل الرسمية الإيرانية ركزت على طمأنة الداخل وتأكيد أن البنية النووية محمية ومحصّنة (رويترز)

تأثر البرنامج النووي

وصفت واشنطن الهجمات بأنها "قاسية ومدمرة" وقال الرئيس دونالد ترامب إنها استهدفت "المواقع الأساسية التي كان يعمل فيها البرنامج الإيراني" إلا أن طهران تصر على أن الضربات "لم تمس جوهر البرنامج" وتؤكد أن أنشطتها النووية ستستمر بلا انقطاع.

وفي هذا السياق، قال الحرس الثوري الإيراني في بيان إن "الهجوم لن يدمر التكنولوجيا النووية الإيرانية، بل سيزيد من إرادة العلماء الشباب للمضي قدما في مسار التقدم" وأكد أن المواقع المتضررة كانت "معروفة بأنها منشآت سلمية خاضعة للرقابة الدولية" مما يجعل استهدافها "غير قانوني وغير مبرر".

من جهتها أعلنت هيئة نظام السلامة النووية الإيرانية عدم رصد أي تلوث إشعاعي بالمناطق المحيطة، مضيفة أن المواطنين يمكنهم مواصلة حياتهم "بشكل طبيعي" كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنّها لم تلحظ مؤشرات على تسرب نووي.

وركزت الرسائل الرسمية على طمأنة الداخل الإيراني، وسط دعوات لتوخي الحذر في تداول الأخبار، وتأكيد أن "البنية النووية للبلاد محمية ومحصّنة".

حالة الغموض

حتى اللحظة، لم تصدر تصريحات إيرانية صريحة تتبنى الرد العسكري على الهجوم، واكتفت البيانات الرسمية بالتأكيد على "حق إيران المشروع في الدفاع عن النفس" مشيرة إلى أن "الرد قد يأتي بطرق غير متوقعة" بحسب الحرس الثوري.

وتحدثت مصادر دبلوماسية في طهران عن مشاورات مستمرة مع الحلفاء الإقليميين والدوليين، ولا سيما روسيا وتركيا، وسط دعوات لـ"عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة".

وبينما يناقش البرلمان الإيراني خيارات مثل الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي أو إغلاق مضيق هرمز، يرى مراقبون أن طهران تسعى إلى إدارة الرد ضمن معادلة تحفظ مكانتها الدولية، دون تفجير صراع واسع النطاق في الخليج.

وفي هذا السياق، وجّهت إيران ضربات إلى الجانب الإسرائيلي بعد ساعات قليلة من الهجمات الأميركية، وقالت إنها استخدمت لأول مرة صاروخ خيبر المعروف بمدى 2000 كيلومتر، وأنه ذو رأس يحمل طنا ونصف الطن من المتفجرات، وأكد الحرس الثوري الإيراني أن هذه الضربات رقم 20، واستهدفت مطار بن غوريون ومركز الأبحاث البيولوجية ومراكز قيادة وسيطرة إسرائيلية.

ومن اللافت في الرواية الإيرانية مزجها بين التحدي والتهدئة، فهي تؤكد تعرضها لعدوان صريح، لكنها في الوقت ذاته تشدد على استمرار الالتزام بالبروتوكولات الدولية، مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموقف قانوني واضح ضد العدوان.

إعلان

ويقول وزير الخارجية الإيراني إن "باب المفاوضات يجب أن يبقى مفتوحا، لكننا لا يمكن أن نتفاوض تحت القصف" مؤكدا في الوقت نفسه أن بلاده "لم تثق بالدول الغربية يوما، ولن تثق بها مستقبلا".

سيناريوهات الرد

قال أستاذ العلاقات الدولية عباس أصلاني إن الرد الإيراني على الهجمات الأخيرة بات أمرا محسوما، مشددا على أن "طهران لا تملك خيارا سوى الرد، وإلا فإن ذلك سيفتح الباب أمام تكرار هذه النوعية من العمليات في المستقبل".

وأوضح أصلاني في حديثه للجزيرة نت أن "إيران تنظر إلى التهديد الحالي باعتباره مزدوجا من طرفين هما الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن طبيعة الردّ الإيراني ستتأثر بجملة من العوامل، منها حجم الهجوم ونوعيته، والمصالح التي تسعى طهران لحمايتها أو تعزيزها في هذه المرحلة".

وأضاف أن هناك 3 سيناريوهات محتملة لرد إيران:

أولها: رد محدود ومُتحكَّم فيه يستهدف بعض القواعد أو المصالح الأميركية في المنطقة، ويهدف إلى إيصال رسالة دون توسيع رقعة المواجهة. أما السيناريو الثاني، فيقوم على تصعيد واسع النطاق قد يشمل استهداف عدد كبير من المواقع الأميركية، مع احتمال دخول حلفاء إيران على خط المواجهة، مما يفتح الباب أمام حرب إقليمية شاملة قد تُطرح فيها خيارات مثل إغلاق مضيق هرمز. وفي ما سماه "السيناريو الوسيط" أشار أصلاني إلى احتمال أن تبدأ إيران بإجراءات محدودة، تتصاعد تدريجيا، مع ترك مساحة للتفاعل الدبلوماسي ومنع الانزلاق نحو مواجهة شاملة، خاصة في حال تدخل أطراف دولية أو إقليمية للوساطة.

وأكد أصلاني أن الرد لن يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل إن طهران قد تلجأ إلى تحركات قانونية ودبلوماسية عبر المحافل الدولية مثل مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وستسعى لحشد مواقف داعمة ضد ما تعتبره خرقا للقانون الدولي ومعاهدة عدم الانتشار النووي.

ولم يستبعد الخبير أن تدرس إيران خيارات متقدمة على الصعيد النووي، مثل الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، مشيرا إلى أن "مثل هذا القرار -رغم أنه غير محسوم- يبقى ضمن الأدوات المتاحة أمام طهران للرد على ما تعتبره سابقة خطيرة باستهداف منشآت نووية لأول مرة بهذه الصورة، وهو ما قد تكون له تداعيات دولية بعيدة المدى".

Emergency personnel work at an impact site following a missile attack from Iran on Israel, amid the Iran-Israel conflict, in Tel Aviv, Israel, June 22, 2025. REUTERS/Violeta Santos Moura TPX IMAGES OF THE DAY
أفراد الطوارئ يعملون في موقع سقوط صاروخ من إيران على إسرائيل بعد الضربات الأميركية (رويترز)

من جهته قال المحلل السياسي الإيراني علي موسوي خلخالي -للجزيرة نت- إن ردّ طهران على الولايات المتحدة لن يكون سريعا، مرجحا أن تأخذ القيادة الإيرانية وقتا لدراسة طبيعة الردّ وكيفيته، وأضاف أن "هذا الرد، إذا وقع، فلن يكون في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، إذ سيتّسم بالتريّث والحسابات الدقيقة".

وفيما يتعلّق بالتصعيد مع إسرائيل، قال موسوي خلخالي إن "وتيرة الحرب ستستمر، طالما أن الهجمات الإسرائيلية على إيران متواصلة" مشيرا إلى أن "طهران ستردّ على إسرائيل بعمليات متفرقة ومختلفة، في إطار معادلة الردع، لكن التعامل مع واشنطن سيخضع لمعايير أكثر تعقيدا وحسابات دقيقة".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق