طهران تحت النار: كيف تحولت المساحات الرقمية إلى ملاجئ لشباب إيران - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فاطمة جمالبور

21/6/2025

تحكي شوارع طهران قصة من الفوضى: حقائب سفر تُجر على الأرصفة، وأم شابة تحمل ابنها الصغير بيد، بينما توازن بطانية ووسادة باليد الأخرى، متجهة إلى محطة مترو الأنفاق لقضاء ليلة أخرى تحت الأرض. مع عدم وجود ملاجئ أو إنذارات أو خطط إجلاء عامة، يلجأ الشباب الإيرانيون إلى المساحة الآمنة الوحيدة المتبقية مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على إيران: الإنترنت، وتطبيقات الدردشة مثل "ديسكورد" (Discord) و"واتساب" (WhatsApp).

يقول مومو، وهو طالب هندسة تكنولوجيا معلومات، عمره 24 عامًا في طهران: "لا نعرف إلى أين نذهب".

ويضيف، في إشارة إلى الهجمات الإسرائيلية على المباني السكنية التي تستهدف ظاهريًا أفرادًا مرتبطين بالجيش الإيراني أو برنامجه النووي: "لا نعرف أبدًا ما إذا كان المبنى المجاور لنا يضم الحرس الثوري الإيراني أو وزارة الاستخبارات. لا أعرف ما إذا كان جاري في الطابق العلوي شخصًا عاديًا أم مسؤولاً في النظام. قد تكون المنشأة القريبة مني جزءًا من برنامج عسكري سري".

رغم كل شيء، اختار مومو البقاء في طهران -ليس فقط من أجل قطته التي أنقذها والبالغة من العمر عامين- ولكن من منطلق المبدأ. "إلى أين سأذهب أصلاً؟ منزلي هنا. حياتي هنا. لن نستسلم لنظام قمعي أو لعدوان إسرائيلي. كثير منا باقون. لا نعرف كم سيستمر هذا، لكنني أفضل أن يصبح منزلي قبري على أن أعيش نازحا".

لا ملجأ سوى الإنترنت

مع عدم إمكانية الوصول إلى الملاذات الآمنة التقليدية ووقوع شبكات الاتصالات تحت مراقبة شديدة أو حجبها بالكامل، يقوم "الجيل زد" (Gen Z – أولئك الذين ولدوا بين منتصف التسعينيات ومنتصف العقد الأول من الألفية الجديدة) في إيران بإنشاء ملاجئ جديدة في العالم الرقمي. أصبحت المنتديات شريان حياة، حيث تعمل كملاجئ مؤقتة، وغرف علاج، ومراكز تنظيمية.

يستخدم مومو تطبيق "ديسكورد" منذ سبع سنوات. يقول: "إنه المكان الوحيد الذي أستطيع فيه التنفس". "كنت أستخدم ديسكورد فقط للمحادثات الصوتية أثناء اللعب مع الأصدقاء. الآن، أشعر وكأنه منزل. غالبًا ما نكون على تواصل مع الناس هناك أكثر من عائلاتنا. في خضم القصف، شاهدنا الأفلام والمسلسلات التلفزيونية معًا. أحيانًا، ننام حتى ونحن متصلون بالإنترنت".

إعلان

نشأ هذا الجيل من الإيرانيين في ظل العقوبات والاضطرابات السياسية والرقابة. كان كثيرون منهم أيضًا لاعبين رئيسيين في الاحتجاجات المناهضة للحكومة عام 2022 التي اندلعت بسبب وفاة مهسا أميني في حجز الشرطة بعد اعتقالها لارتدائها "حجابًا غير لائق" -وهي حركة عُرفت عالميًا بشعار "امرأة، حياة، حرية"-. لعبت المنصات الإلكترونية دورًا محوريًا آنذاك، ولا تزال تعمل كأدوات حيوية اليوم.

وفقًا لصحيفة "شرق" اليومية الإيرانية، فإن ما يقرب من 14 مليون إيراني -نحو 15 بالمائة من السكان- هم من "الجيل زد" من محبي الألعاب ومستخدمي "ديسكورد" المتكررين. على الرغم من القيود الرسمية، يظلون متصلين رقميًا، باستخدام شبكات افتراضية خاصة (VPNs) وتطبيقات مشفرة للبقاء على تواصل.

تقول سامين، البالغة من العمر 23 عامًا من شمال إيران: "عندما بدأت الهجمات، كنا في منتصف إحدى الألعاب". "كان الأمر سرياليًا -لا تعرف ما إذا كانت الانفجارات قادمة من داخل اللعبة أم من الحياة الواقعية. هذه الألعاب مليئة بإطلاق النار والقنابل، مما يخلق هذه المفارقة المريرة: لم أستطع التمييز بين ما إذا كنت ألعب "كول أوف ديوتي" (Call of Duty- لعبة فيديو شهيرة) أم أعيشها. للأسف، لم تكن الأصوات من اللعبة- كانت قصفًا حقيقيًا».

تم حجب "ديسكورد" في إيران في أبريل/نيسان 2024، حيث اشتبه بعضهم بأن الحكومة أغلقته إدراكًا لاستخدامه كمنصة لتنظيم الاحتجاجات، على الرغم من أن القضاء الإيراني ذكر رسميًا مخاوف بشأن المحتوى غير اللائق. لكن الحظر لم يمنع "الجيل زد" من إيجاد طريقهم إلى العودة إلى التطبيق.

تقول سامين: "أحيانًا نبذل جهودًا كبيرة لمجرد العثور على شبكة افتراضية خاصة تعمل، فقط لتسجيل الدخول إلى ديسكورد والانضمام إلى قنواتنا. إذا لم يتصل شخص ما بالإنترنت، نتصل به. إذا انقطع صوته في منتصف المكالمة، تتسارع نبضات قلوبنا، نقلق من أنه قد يكون قُتل في قصف". "نحن متصلون بالإنترنت أكثر من أي وقت مضى، ونتفقد بعضنا بعضا باستمرار. لقد تشاركنا كثيرا، أعياد الميلاد، وصوت الصواريخ فوق رؤوسنا، وفقدان الأحباء. نتشارك مخاوفنا وصراعاتنا اليومية في تلك المساحة. إنها أجواء مؤلمة، ولكن هناك أمل وتضامن ورعاية أيضًا".

وفي الوقت نفسه، أصبحت مجموعة على "واتساب"، أُنشئت في البداية لليوغا قبل الولادة في طهران، مركزًا غير متوقع للصمود. يتبادل أعضاؤها، نساء حوامل لم يتمكنّ من الفرار من العاصمة، الآن تقنيات التنفس، ونصائح الطوارئ، والرسائل الصوتية خلال فترات انقطاع التيار الكهربائي.

امرأة إيرانية تجري مكالمة فيديو أثناء وقوفها في أحد شوارع طهران، شمال إيران (غيتي)

آمنة وزهرة

كانت آمنة وصديقتها زهرة، الحاصلتان على الدكتوراه وتحملان البطاقة الخضراء الأميركية، تنتظران موافقة الولايات المتحدة على تأشيرات والديهما لأشهر. وبينما كانت كلتاهما تنتظر مولودًا، اتخذتا قرارين مختلفين: عادت زهرة إلى إيران لتحصل على دعم عائلتها أثناء الولادة، بينما بقيت آمنة في سان فرانسيسكو لتلد بمفردها -ولكن بأمان- في الولايات المتحدة.

إعلان

الآن، بعد أربعة أيام من القصف الإسرائيلي لإيران، كلتا المرأتين محطمة، لكنهما لا تزالان على تواصل عبر مجموعة دردشة على تطبيق الرسائل المشفرة تسمى "يوغا للحمل".

تقول زهرة، وهي حامل في شهرها الثامن في طهران: "نقدم إلى بعضنا بعضا نصائح في الرعاية الذاتية والتنفس للتعامل مع نوبات الهلع ونمارس اليوغا معًا عبر الإنترنت. نضيء الشموع ونرسل ملاحظات صوتية عندما تهدأ الأمور مرة أخرى".

"أيقظني صوت انفجار. أرشدتني صديقة للتركيز على التنفس ونبضات القلب لتهدئة تقلصاتي. وفي مرة أخرى، عندما لم يتحرك طفلي ساعات، أخبروني أن أشغل الموسيقى، وأقوم بالتدليك، وأجرب اليوغا مرة أخرى".

أثار تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بضرورة "إخلاء" طهران، موجات من الذعر في العاصمة. وجدت زهرة والعديد من النساء الحوامل الأخريات أنفسهن غير قادرات على مغادرة المدينة لحالتهن الجسدية وصعوبة الوصول إلى الرعاية الطبية. تقول: "كنا قد خططنا لمغادرة طهران، ولكن بعد رؤية حركة المرور وإمكانية الولادة المبكرة، قررت البقاء حتى أتمكن من الوصول إلى مستشفى".

مع سقوط القنابل وترسُخ عدم اليقين، يعيش تحدي الإيرانيين في المساحات الرقمية، هادئًا، وثابتًا، وإنسانيًا بعمق. حتى عندما لا تقدم السماء أي تحذير ولا يقدم النظام أي ملجأ، لا يزالون يجدون بعضهم بعضا ويرفضون مواجهة الظلام مفردين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق