ماذا يعني تدمير إيران معهد "وايزمان" قلب البحث الإسرائيلي؟ - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

القدس المحتلة- لم يكن الصاروخ الذي أُطلق من إيران مجرد ضربة عسكرية، بل أصاب أحد أعمق الأعصاب الحية للمعرفة الإسرائيلية. فقد سقط مباشرة على معهد وايزمان للعلوم في مدينة رحوفوت، المقامة على أنقاض بلدة صرفند المهجرة، موقعا أضرارا جسيمة في مختبرات الأبحاث، وماحيا في لحظة جهود عقود طويلة من العمل والبحث العلمي السري.

يقدم المعهد خدمات بحثية متقدمة للجيش الإسرائيلي، تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الاستخباراتية، وتوجيه الطائرات المسيّرة. ويعمل أيضا على تطوير أسلحة ذاتية أو شبه ذاتية، وأجهزة تعقب وتوجيه دقيقة، وتقنيات تشويش وحماية إلكترونية، إلى جانب أبحاث في الطاقة الموجهة والتقنيات النووية، ودعم أنظمة الأقمار الاصطناعية العسكرية.

ويُعد من بين أبرز المؤسسات العلمية في إسرائيل، بل العالم، والهجوم عليه يمثل ضربة لتل أبيب التي تتكتم على دوره في تطوير أبحاث البرنامج النووي الإسرائيلي.

أضرار جسيمة

وساهم المعهد في مجالات أساسية كعلم الأحياء والفيزياء، وأخرى أمنية مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية. ولذلك، وصفت قناة "برس تي في" الإيرانية الهجوم بأنه "ضربة دقيقة لموقع بالغ الحساسية".

وفي اليوم التالي للهجوم، بدأت تتكشف تدريجيا أبعاد الأضرار الجسيمة التي لحقت بمعهد وايزمان. فقد اشتعلت النيران في أحد مبانيه المخصصة لمختبرات علوم الحياة، قبل أن ينهار كليا ومعه معدات بحثية متقدمة وعينات بيولوجية نادرة لا يمكن تعويضها.

لم يسفر الهجوم على المعهد، الذي يمثل "عقل الأمن والتكنولوجيا" لإسرائيل، عن قتلى، لكنه خلف ضربة موجعة وجرحا عميقا في العقل الأكاديمي الإسرائيلي لا تضمده إعادة البناء وحدها، بل يحتاج سنوات طويلة لاستعادة ما فقد من معرفة وأبحاث وتجارب ومصادر نادرة، بعضها قد لا يستعاد أبدا، كما تقول غالي وينيرف مراسلة العلوم في صحيفة "غلوبس".

إعلان

وتضيف أن الهجوم ألحق دمارا واسعا بالمباني والمختبرات، وتسبب بخسائر كبيرة في البنية التحتية البحثية، إذ طال منشآت كانت تحتضن تجارب علمية دقيقة امتدت لسنوات، شملت أبحاثا في الوقاية من الشيخوخة، وعلاج السرطان، وأمراضا معقدة أخرى.

وأشارت وينيرف إلى تدمير معدات بحثية متقدمة لا يمكن تعويضها بسهولة، وخسارة بيانات وتجارب يصعب جدا إعادة إجرائها. وقال أحد الباحثين "ما حدث لا يمس فقط المعهد، بل هو ضربة للعلم ولأبحاث العلوم الدقيقة".

Dr. Chaim Weizmann, presiding over the 21st Zionist Congress in Geneva, made an attack on Great Britain’s White paper proposals for the solution of the Palestine problem in his opening speech. From left to right are Dr. Weizmann, Tom Williams, Mr. Ussischkin, and Ben Gurion at the Zionist congress at Geneva on August 16, 1939. Behind Dr. Weizmann is the Reverend. Perlsweig, leader of English Zionism. (AP Photo)
وايزمان (يسار) الذي سمي المعهد باسمه عندما ترأس المؤتمر الصهيوني الـ21 بجنيف عام 1939 (أسوشيتد برس)

معهد وايزمان

تأسس معهد وايزمان للعلوم عام 1934 على يد حاييم وايزمان، عندما كان كيميائيا بارزا في زمن الانتداب البريطاني، تحت اسم "معهد دانيال سيف"، تكريما لعائلة متبرع بريطاني دعم هجرة اليهود إلى فلسطين. وفي عام 1949، سمي باسم وايزمان، الذي أصبح لاحقا أول رئيس لدولة إسرائيل.

يُعد المعهد اليوم من أبرز مؤسسات البحث العلمي متعددة التخصصات في العالم، خاصة في مجالات الكيمياء، والفيزياء، والبيولوجيا، وعلوم الحاسوب. ويضم أكثر من 250 مجموعة بحثية، و30 مختبرا. وسجل قرابة ألفي براءة اختراع، بحسب موقعه الإلكتروني.

لكن خلف هذه الصورة العلمية، يرتبط المعهد بعلاقات وثيقة مع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. فقد تعاون مع شركات الأسلحة الكبرى كـ"إلبيت سيستمز" والصناعات الجوية الإسرائيلية، ووزارة الدفاع، في مشاريع تتضمن تطوير مواد بيولوجية لتطبيقات عسكرية.

ويقدم برامج ماجستير خاصة بالجنود، وأكاديميات لإعداد طلاب المدارس الثانوية للخدمة العسكرية، بل يمنح امتيازات لطلاب شاركوا في الحرب على غزة.

ومنذ عقود، يضطلع المعهد بدور مركزي في دعم البرنامج النووي الإسرائيلي من خلال أقسام الفيزياء النووية وفصل النظائر، وتدريب العلماء في مفاعل "نحال سوريك"، فضلا عن دور بارز لأعضائه، من بينهم ديفيد بيرغمان وهاري ليبكين، في تأسيس البنية العلمية للقدرات النووية الإسرائيلية.

وبحسب تقرير مشترك للصحفيين روتي ليفي وجدعون ليفي في صحيفة "ذا ماركر"، فإن حجم الخسارة العلمية للمعهد غير مسبوق، ويصعب حصره أو استعادته.

وفي مقطع فيديو في اليوم التالي للهجوم نُشر على صفحة المعهد، ظهر الأستاذ عاموس تاناي من قسمي علوم الحاسوب والبيولوجيا الجزيئية، جالسا على بيانو داخل مبنى متضرر، يعزف مرتديا خوذة دراجة، وسط زجاج محطم وأعمدة مكشوفة.

إصابة مباشرة

وقع الهجوم ليلا، حين كانت معظم المختبرات خالية من الباحثين، لكن الصور التي نُشرت لاحقا بحسب تقرير "ذا ماركر"، كشفت حجم الضرر: جدران متفحمة، ونوافذ محطمة، وأسلاك مكشوفة، وأرضيات غمرتها مياه الإطفاء. مشهد الدمار، بعد أقل من 24 ساعة على الهجوم الإيراني، لخص مشاعر الفقد والصمت في أحد أبرز رموز العلم والبحث الإسرائيلي.

لم يكن الهجوم عشوائيا، حيث أصاب أحد الصواريخ، التي أُطلقت باتجاه رحوفوت مباشرة، عددا من مباني معهد وايزمان، موقعا أضرارا جسيمة. اشتعلت النيران في مبنى يُستخدم لمختبرات أبحاث في مجالات الأحياء والكيمياء الحيوية وعلوم الحياة والعوم الدقيقة، وانهارت 3 طوابق منه بالكامل.

يقول الأستاذ إلداد تساهور، من قسم بيولوجيا الخلايا الجزيئية، وقد عاش داخل المعهد على مدى 22 عاما "وصلتني صور الانفجار بعد دقائق من وقوعه، ورأيت مبنى مختبري يحترق. لم أصدق. ذهبت في الصباح لأتفقد المكان. لم يتبق شيء. لا مختبر، لا مقاطع قلب، لا صور، لا تذكارات. كل شيء اختفى".

ويضيف "كل يوم ندرك حجم الخسارة أكثر. ليس فقط المعدات، بل المعرفة المتراكمة، التفاصيل الصغيرة التي لا تعوض. لا يمكن نشر بحث علمي بدونها. في لحظة واحدة، تبخر كل شيء".

إعلان

من جانبه، وصف الأستاذ إران سيغال، من قسم علوم الحاسوب، محاولات فريقه لإنقاذ عينات حيوية مخزنة عند 80 درجة مئوية، قائلا "نجحنا في إخراج بعضها عبر الزجاج المحطم، قبل لحظات من إنذار جديد". وأضاف "بعض المعدات، التي تقدر بملايين الدولارات، غمرتها المياه وتلفت. لا أحد يعلم حتى الآن ما إذا كانت قابلة للإصلاح. هذه ضربة قاسية للبحث العلمي الإسرائيلي، سنعيد البناء، وربما بشكل أقوى".

أما الأستاذة ساريل فلايشمان من كلية الكيمياء الحيوية، التي نجا مختبرها، فتحدثت عن الصدمة التي خيمت على مجتمع الباحثين، ووصفت الخسائر بأنها تتجاوز الأجهزة إلى المعايرات الدقيقة والمعرفة المتراكمة، مضيفة "هذا إرث علمي وبحثي ضاع في لحظة"، مشيرة إلى أن إعادة بناء البنية التحتية قد تستغرق عامين على الأقل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق