استخدمت إسرائيل ذريعة البَرنامج النووي الإيراني لمهاجمة هذا البلد، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية. ولولا البرنامج النووي الإيراني، لوجدوا بالتأكيد ذريعة أخرى لمهاجمة إيران. ومَن لا يعرف أن الإسرائيليين والأميركيين خبراء في صناعة الذرائع لمهاجمة الآخرين؟
وما هو مؤكد أن ما قامت به إسرائيل كان نتيجة لخطط تم ترسيمها منذ سنوات طويلة. وعلى الرغم من أن إيران وقّعت على الاتفاق النووي وقامت بتنفيذه وفقًا لأربعة عشر تقريرًا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن الولايات المتحدة، وبعد أن تأكدت من تنفيذ إيران تعهداتها وانخفاض سرعة إنتاج اليورانيوم، خرجت من الاتفاق كي تحضّر الأرضية لما يحصل اليوم.
ويعتبر العديد من الإيرانيين أن المفاوضات النووية نفسها كانت خديعة، لأن إسرائيل وظروف المنطقة لم تكونا حينها جاهزتين لعملية كهذه، والأميركيون فقط كانوا يعملون على شراء الوقت لصالح إسرائيل.
وهذا ما حصل في الجولات الخمس الأخيرة من المفاوضات الإيرانية-الأميركية، حيث إن الأميركيين خدعوا الإيرانيين بتغيير رأيهم في كل اجتماع، مقارنة بالاجتماع الذي يسبقه، لعرقلة التوصل إلى اتفاق حتى يتم تحضير كل شيء لليوم الحادي والستين، حسب وصف ترامب.
وعلى الرغم من أنه، ووفق القوانين الدولية، فإن مهاجمة أي دولةٍ عضوٍ في الأمم المتحدة، يترتب عليها قيام مجلس الأمن الدولي على الأقل بإدانة الدولة المهاجمة وفرض عقوبات عليها، إلا أننا رأينا أنه، وبسبب المظلة الأميركية والأوروبية، كان مجلس الأمن الدولي مشلولًا تجاه ما فعلته إسرائيل.
وذريعة الخشية أو التخوف من الجانب المقابل أو تنفيذ ضربة استباقية كي لا يقوم الطرف الآخر بعمل ما، لا يمكن اعتبارها ذريعة مقبولة قانونيًا من قبل المجتمع الدولي، فلو تم قبول هذه الذريعة، يحق لكل دولة أن تهاجم أعداءها بحجة مشابهة.
إعلان
وعدم قيام الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بأي تحرك ضد إسرائيل، لما تقوم به من إجرام في غزة وباقي المنطقة، إضافة إلى تجاوزها جميع القوانين الدولية، وقيامها بعمليات الإبادة والمجازر ضد المدنيين في وضح النهار، حول العالم إلى عالم الغاب.
ومثلما يقول المثل اللبناني: "كل مين إيدو إلو"، فكل من يستطيع حماية نفسه يقوم بكل إجراء يمكنه القيام به، ومن لا يستطيع حماية نفسه، عليه أن يواجه مصير الفلسطينيين.
ولا يخفى على أحد أن إسرائيل، وحسب التصريحات العلنية لبنيامين نتنياهو، تسعى للسيطرة العسكرية على كل المنطقة، وتغيير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر تحقيق الحلم الصهيوني بإحداث "إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، وتحويل باقي المنطقة إلى دويلات صغيرة متصارعة ومتناحرة إلى الأبد، كي تتمكن إسرائيل من فرض سلطتها عليها. وفي هذا السياق، فإن إيران تقف عائقًا أمام الأحلام الإسرائيلية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة، فهي تعتبر أن السيطرة على الشرق الأوسط هي جسر الصراع بينها وبين الصين من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وحاليًا إيران تقف حاجزًا أمام هذا الطموح.
ولهذا فإن الأميركيين دخلوا في مفاوضات مع الإيرانيين وعرقلوها مرات متعددة، وأعطوا انطباعًا بأنه ما دامت المفاوضات جارية، فلن يكون هناك أي هجوم عسكري ضد إيران، في حين أن الإسرائيليين كانوا يستفيدون من هذه الفترة لترتيب خطتهم لتوجيه ضربة مهلكة ضد إيران.
ولا يخفى على أحد أن الإيرانيين انخدعوا بالإغراءات الأميركية، ولم يكونوا في يقظة، ليستفيقوا على ضربة المؤامرة الأميركية- الإسرائيلية.
وبيان مجموعة السبع الذي أيد "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" دون إقرار حق إيران في الدفاع عن نفسها، يعكس مدى ازدواجية المعايير التي يعيشها العالم حاليًا، وأن القوى العظمى تستمر في دعم الظالم ضد المظلوم.
خلال عملية أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، قامت إسرائيل بالاستفادة من عملائها في الداخل الإيراني، ولكن العملية فشلت بسبب فشل هؤلاء العملاء في تنفيذ مهامهم.
ويبدو أن الإسرائيليين تعلموا الدرس، وهذه المرة قاموا بالتحضير للعملية بشكل أكبر وأكثر دقة. ولربما يمكن القول إن من حضّر للعملية داخل إيران هو نفسه الذي خطط لعمليات "مجموعة العنكبوت" الأوكرانية ضد روسيا، لأن ما حصل كان مشابهًا لتلك العملية.
استطاعت إسرائيل استغلال ما يعتبره الإيرانيون "الفلتان الحدودي" لبلادهم، حيث قامت بإدخال مئات من عناصرها بصفة مهجرين أفغان إلى إيران، إذ إن من يعرفون وضعية الحدود الإيرانية- الأفغانية يعلمون أن آلاف الأفغان يعبرون الحدود يوميًا بشكل تهريب، دون أي مراقبة أو تسجيل لهوياتهم.
ومن جهة ثانية، استغل الإسرائيليون والأميركيون المهربين على الحدود الإيرانية مع العراق وأفغانستان والخليج بشكل عام، لتهريب قطع المسيرات والصواريخ إلى الداخل الإيراني. وبعد إدخال العناصر وقطع المسيرات والصواريخ، قاموا باستحداث أماكن لتجميعها في أطراف المدن الإيرانية الكبرى.
واستفاد المهاجمون من شاحنات كبيرة وصغيرة وسيارات "فان" تم تعديلها لحمل الصواريخ والمسيرات. وعندما أتت ساعة الصفر، تلقت كل سيارة من هذه السيارات أوامر مهمتها لتنفيذ العملية، حيث كانت المهمات مقسّمة بين استهداف قادة القوات المسلحة الإيرانية والعلماء الإيرانيين، واستهداف منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية وقواعد الدفاع الجوي والبنية التحتية الأمنية والعسكرية.
إعلان
ومن جهة أخرى، قامت مجموعات من القراصنة بمهاجمة الشبكات التي تربط أنظمة الدفاعات الجوية الإيرانية ببعضها البعض.
وكان يأمل الإسرائيليون أن يؤدي قتل قادة الحرس الثوري والقوات المسلحة إلى بلبلة في الشارع الإيراني، بما يسمح لهم بتحريك عناصرهم لإشعال احتجاجات تشغل القوات الأمنية، فتصبح الطائرات الإسرائيلية قادرة على استهداف المنشآت النووية والبنى التحتية العسكرية والاقتصادية بضربة قاضية واحدة عبر 200 مقاتلة.
ولكن الإيرانيين استطاعوا لملمة أنفسهم بسرعة غير متوقعة، والتفوا حول بعضهم البعض رغم خلافاتهم الداخلية، وتمكنت القوات المسلحة من السيطرة على الأنظمة التي تم اختراقها خلال أقل من ساعتين وتفعيل أنظمتها الدفاعية.
وعلى الرغم من أن ترسانة إيران من الطائرات المقاتلة قديمة نسبيًا، فإن هذه الطائرات انطلقت لتكون جاهزة للمواجهة، واستهداف الصواريخ المحتملة.
والدليل على فشل العملية الإسرائيلية هو أن الطائرات الإسرائيلية كانت محملة بقنابل خارقة للتحصينات، وكان من المفترض أن تدخل الأجواء الإيرانية وتلقي هذه القنابل على المنشآت النووية والصاروخية. لكنها لم تستطع دخول الأجواء، وكل ما يُقال من قبل المسؤولين الإسرائيليين عن "السيطرة على الأجواء الإيرانية" هو كذب، على الأقل حتى لحظة كتابة هذا المقال. وفي الواقع، باتت إيران هي التي تسيطر على أجواء الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر قدرتها على استهدافها بصواريخها.
وكان الرهان الإسرائيلي- الأميركي أن تؤدي عمليات الاغتيال إلى بلبلة داخلية في إيران ونزول المعارضين إلى الشوارع، لكن العكس هو ما حصل، إذ وضع الإيرانيون خلافاتهم جانبًا والتفوا لمواجهة العدو الصهيوني، وفشلت محاولات استهداف المنشآت النووية، كما فشل عملاء إسرائيل في تدمير الأنظمة الدفاعية ومنصات إطلاق الصواريخ.
بعد الفشل الذريع للعملية، حوّلت إسرائيل عملاءها إلى "ذئاب منفردة" نُشرت في شوارع المدن الإيرانية الكبرى لتنفيذ عمليات إرهابية ضد البنى التحتية والمدنية والاقتصادية، واستهداف أي شخصيات يمكنهم الوصول إليها.
حاليًا، فإن معظم العمليات داخل إيران تتم عبر مسيرات وصواريخ صغيرة الحجم بحوزة مئات العملاء الذين تمكنوا من التسلل إلى الداخل، وتعمل الأجهزة الأمنية الإيرانية على اعتقالهم.
ومن جهة أخرى، وبعد أن وجدت الولايات المتحدة أن العملية الإسرائيلية قد فشلت، وأن إسرائيل باتت تحت ضغط كبير بسبب استهدافها بالصواريخ الإيرانية، بدأت واشنطن تطالب الجهات التي تملك نفوذًا على إيران بالضغط لوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات.
لكن ما هو مؤكد أن إيران لم تعد تقبل بالشروط السابقة، التي ربما كانت ستقبل بها تحسبًا لمواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل. أما الآن، فقد أصبحت هي من تضع الشروط، لأنها ترى أن لديها اليد العليا في المعركة.
ويصر العديد من صُنّاع القرار في إيران على أن أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تشمل الشروط التالية:
وقف إطلاق نار شامل في المنطقة، وليس فقط بين إيران وإسرائيل. قبول الولايات المتحدة طلب دول المنطقة بأن تكون المنطقة خالية من الأسلحة النووية، وإجبار إسرائيل على الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وفرض رقابة دولية على برنامجها النووي. الاتفاق على حل للقضية الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، وفرض قبوله على إسرائيل، لأنه ما دامت هذه القضية قائمة، فإن الصراعات في المنطقة ستستمر. وقف تدخلات الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية الإيرانية، ورفض إيران أي طلبات خارج إطار تعهداتها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. رفع جميع العقوبات الأميركية، ووقف الضغوط والتهديدات السياسية الأميركية والأوروبية ضد إيران. وقف الضغوط الأميركية والأوروبية على إيران في القضايا السيادية، مثل برنامجها الدفاعي، لأن الهجوم الإسرائيلي على إيران أكد أن البلاد في خطر، وهناك احتمالية لهجمات مستقبلية.إعلان
على أي حال، يبدو أنه في حين كانت إسرائيل والولايات المتحدة تخططان لترسيم ملامح الشرق الأوسط الجديد، فإن إيران هي التي، على الأقل حتى الآن، باتت تضع شروطها على الطاولة لترسيم هذه الملامح.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
0 تعليق