لماذا تهدّد إيران بانسحابها من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية؟ - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مراسلو الجزيرة نت

طهران- في ظل تصاعد المواجهات العسكرية بين إيران وإسرائيل التي اندلعت، منذ فجر الجمعة الماضي، بعد بدء إسرائيل بقصف طهران، وتوسعت لتشمل ضربات جوية استهدفت مواقع نووية وقواعد عسكرية ومقار حكومية، برز تهديد إيراني بالانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

يأتي هذا التهديد في وقت تتحدث فيه تقارير عن احتمال مشاركة الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في الحرب، مما يرفع منسوب التوتر الإقليمي والدولي. كما يعكس الضغط المتزايد على طهران جراء العمليات العسكرية التي استهدفت منشآتها.

وقّعت طهران على المعاهدة منذ عقود كجزء من التزامها الدولي للحد من انتشار الأسلحة النووية، والحصول على دعم فني للطاقة النووية السلمية، مع خضوع منشآتها للرقابة الدولية.

ومع ذلك، فإن الانسحاب من الاتفاقية قد يمنحها حرية أكبر في تطوير برنامجها النووي بعيدا عن أي قيود دولية، لكنه في الوقت نفسه يعرضها لعقوبات أشد وعزلة دولية متزايدة.

انسحاب محتمل

يرى الباحث في الأمن الدولي عارف دهقاندار، أن إيران لا تزال تلتزم علنا بعدم السعي إلى تصنيع السلاح النووي، وتستند في هذا الموقف إلى فتوى صريحة من المرشد الأعلى علي خامنئي، تحرّم إنتاج واستخدام هذه الأسلحة، مؤكدا أن هذه الفتوى تحظى بمكانة تتجاوز البعد الديني، لتُعد أساسا للسياسة الدفاعية والإستراتيجية الإيرانية في الملف النووي.

ويوضح دهقاندار للجزيرة نت، أن التحولات الإقليمية الأخيرة، وعلى رأسها التصعيد الإسرائيلي المتكرر ضد أهداف داخل إيران، وخصوصا منشآتها النووية، وضعت طهران في مراجعة جذرية لموقفها من المعاهدة.

ويشير إلى أن الهجمات الإسرائيلية، رغم أن تل أبيب غير موقّعة على المعاهدة، كشفت عن اختلالات جوهرية في النظام الدولي للرقابة النووية، وعن عجز هذه المعاهدة عن حماية الدول غير النووية من التهديدات الأمنية والعسكرية.

إعلان

وتمنح المادة العاشرة من المعاهدة -وفق دهقاندار- الدول الأعضاء حق الانسحاب إذا وجدت أن مصالحها العليا مهددة. ومع استمرار استهداف إيران والتسريبات المتكررة لمعلوماتها النووية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أطراف معادية، فإن "طهران تمتلك اليوم مبررات قانونية ومنطقية لإعادة النظر في عضويتها".

ويؤكد أن الوكالة قامت بجمع معلومات نووية حساسة خلال عمليات التفتيش، وقد تسرب جزء منها -حسب ما تشير إليه مصادر إيرانية- إلى إسرائيل، الأمر الذي يعتبره الإيرانيون إخلالا جسيما بمبدأ الحياد ويشكك في نزاهة منظومة الرقابة الدولية.

أداة ضغط

وفي رأي الباحث دهقاندار، جعل ذلك من عضوية إيران في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية خطوة عبثية ومكلفة في آن واحد، إذ لم تحصل طهران على الامتيازات التقنية التي وعدت بها المعاهدة، لكنها تعرضت في المقابل إلى عقوبات قاسية وضغوط سياسية مستمرة، وها هي اليوم تواجه حربا فعلية على أراضيها.

ويشدد على أن الحديث عن انسحاب إيران لا يعني بالضرورة التوجه نحو تصنيع سلاح نووي فورا، بل يُنظر إليه في طهران كأداة ضغط إستراتيجي ووسيلة لإعادة رسم التوازن في الردع الإقليمي، في ظل الحرب المفتوحة مع إسرائيل.

ويختتم، إن قرار الانسحاب من المعاهدة لا يزال محل تقييم داخل دوائر صنع القرار الإيرانية، ويتوقف على تطورات المشهد الإقليمي ومدى تصاعد التهديدات، لكنه يعتبر أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة أعطت طهران غطاء قانونيا وأخلاقيا لإعادة طرح هذا الخيار بجدية، باعتباره وسيلة لحماية أمنها القومي وتقليص نقاط ضعفها في مواجهة قوة نووية غير خاضعة لأي التزامات دولية.

من جانبه، يرى الباحث السياسي عرفان بجوهنده، أن التهديد بالانسحاب من المعاهدة يُعد ورقة ضغط جدية ومؤثرة في يد طهران، وربما من أبرز أوراقها الإستراتيجية حاليا، مشيرا إلى أن النقاش القائم داخل دوائر صنع القرار في إيران لا يدور عن مبدأ الانسحاب، بل عن توقيته، بين من يدعو إلى الانسحاب الفوري، ومن يربطه بهجوم أميركي محتمل أو بتفعيل الأوروبيين آلية الزناد (snapback).

معادلة الردع

ويضيف الباحث بجوهنده للجزيرة نت، أن إيران كانت قد انضمت إلى المعاهدة بهدف الاستفادة من مزاياها، خاصة ما نصّت عليه المادة الرابعة التي تضمن حق الدول الأعضاء في تطوير واستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، فضلا عن الاستفادة من دعم الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لكنه يلفت إلى أن الانسحاب منها سيعني عمليا انتهاء الرقابة الدولية على البرنامج النووي الإيراني، بما يشمل مستوى التخصيب، وعدد ونوع أجهزة الطرد المركزي، وباقي تفاصيل البرنامج التي ستخرج من دائرة المتابعة الدولية.

ويحذر من أن انسحاب طهران، باعتبارها الدولة التي خضعت لأوسع رقابة نووية في التاريخ، سيُقابل بردود فعل غربية. لكن من منظور صناع القرار الإيرانيين، فإن القوى الغربية فقدت شرعيتها الأخلاقية والسياسية بعد عدم التزامها بتعهدات الاتفاق النووي لسنة 2015 ودعمها تل أبيب أثناء التصعيد الأخير، سواء سياسيا أم لوجستيا، وعليه لم يعد هناك ما يمنع إيران من المضي في مسار المواجهة المفتوحة.

إعلان

وحسب بجوهنده، فإن الانسحاب من المعاهدة لا يعني بالضرورة التوجّه نحو تصنيع سلاح نووي، لكنه سينقل إيران إلى وضع "الغموض النووي"، وهو ما سيجعل الدول الأخرى تتعامل معها كدولة نووية محتملة، سواء في العلاقات الدبلوماسية أم في السياسات الردعية والعقابية، و"هذا بحد ذاته تحوّل إستراتيجي في معادلة الردع، حتى وإن لم تُصنَع القنبلة فعليا".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق