لقد دخلت المواجهة بين إسرائيل وإيران مرحلة جديدة لم تعد فيها الحسابات القديمة قادرة على ضبط الإيقاع أو تأجيل الانفجار. فما حدث يوم الجمعة لم يكن مجرد حادث عابر، بل لحظة مفصلية تؤشر إلى بدء صراع مباشر بين قوتين ظلتا لعقود تتحاربان عبر الوكلاء أو عبر عمليات استخباراتية محدودة. إسرائيل بادرت بشن ضربات نوعية استهدفت العمق الإيراني، طالت منشآت حيوية ومواقع حسّاسة، وهو ما يعكس نزعة عدوانية متجذّرة في العقل الأمني الإسرائيلي، الذي لا يعترف بسيادة الدول ولا يحترم قواعد القانون الدولي. وتحت ذريعة الدفاع عن النفس، تبيح إسرائيل لنفسها حق التدخل العسكري في أراضي الغير، متى شاءت، ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف. الرد الإيراني الذي جاء لاحقاً كان متدرجاً في أهدافه، بدأ باستهداف مواقع عسكرية، ومروراً بمحاولة إرباك الاقتصاد الإسرائيلي، قبل أن يُطرح احتمال ضرب البنى الإعلامية الإسرائيلية رداً على تدمير مقر التلفزيون الإيراني. وهو رد يحمل ملامح استراتيجية تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، دون الانزلاق نحو تصعيد شامل قد يفتح الباب لتدخل خارجي. لكن ما يثير القلق ليس الرد الإيراني، بل التصعيد الإسرائيلي المستمر، الذي لا يُبقي للدبلوماسية أي هامش، ويكرّس منطق القوة باعتباره الوسيلة الوحيدة للتعامل مع دول المنطقة. فإسرائيل لا تسعى فقط إلى كبح البرنامج النووي الإيراني، بل تتعامل مع وجود إيران نفسه كعبء استراتيجي يجب إزالته، وهو ما يجعل سلوكها أقرب إلى سياسة عدوان دائم، لا إلى إجراءات وقائية كما تدّعي. وهي، في سعيها لتحقيق هذا الهدف، تضرب في كل الاتجاهات، وتفتح جبهات متعددة، وتمضي في توريط المنطقة في أزمات متلاحقة لا تنتهي. لم تكن إسرائيل يوماً قوة توازن، بل كانت وما تزال مصدر توتر دائم في الإقليم، بسياساتها التوسعية ورفضها لأي شكل من أشكال التسوية العادلة، وسلوكها العنيف في فلسطين ولبنان وسوريا دليل دائم على رفضها للسلام واستخفافها بحقوق الشعوب. وما يجري اليوم يؤكد أن إسرائيل لم تعد تكتفي بحرب الاحتواء التي استخدمتها في مواجهة إيران، بل صارت تمارس العدوان بشكل علني ومباشر، في محاولة لرسم خرائط جديدة تخدم أمنها على حساب استقرار المنطقة برمّتها. وإذا كان البعض يرى أن ما يحدث هو صراع بين مشروعين، فإن المشروع الإسرائيلي هو الأخطر، لأنه يستند إلى دعم غربي مطلق، ويملك حرية الحركة من دون رادع. وما لم يتم تقييد هذه السياسات الإسرائيلية المنفلتة، فإن المنطقة كلها مرشحة لموجات جديدة من الفوضى والانفجار، فإسرائيل لا تكتفي بالدفاع، بل تبادر إلى الهجوم وتدفع الجميع نحو خيارات صفرية، حيث لا مكان للحلول، بل فقط للمواجهات المفتوحة. الوضع خطير ومتقلب، والتصعيد المتبادل ينذر بانفجار إقليمي واسع قد تخرج معه الأمور عن السيطرة في أي لحظة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق