د.عبدالعظيم حنفي *
انعقدت قمة مجموعة السبع، التي استضافتها جبال روكي الكندية في ألبرتا كاناناسكيس غربي كندا في الفترة من 15 -17 يونيو/ حزيران 2025، وقد تأسست المجموعة عام 1976، وهي تجمع غير رسمي للديمقراطيات المتقدمة، يجتمع على مستوى القادة والوزراء والمسؤولين، لتنسيق النهج المتبع لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، والتهديدات التي تُهدد السلام والأمن الدوليين، وغيرها من القضايا العابرة للحدود الوطنية. ضمّت في عضويتها في الأساس الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان، وتزعمت الولايات المتحدة إنشاء مجموعة السبع الكبرى في ذروة الحرب الباردة، واقتصرت عضويتها على أكبر «الاقتصاديات المتقدمة»، كما حددها صندوق النقد الدولي، لكن عضويتها استندت على القيم المشتركة للرأسمالية والديمقراطية أكثر من اعتمادها على الأرقام الصلبة، وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، انضمت روسيا في عام 1998، لتتشكل مجموعة الدول «ال8» أملاً في أن تلتزم روسيا الجديدة بفلسفة مجموعة الدول ال7 الكبرى. ثم في عام 2014، في إطار العقوبات الغربية ضد روسيا، بسبب ضمّها لشبه جزيرة القرم- تم طردها من المجموعة. من بين القادة الذين ليسوا جزءاً من مجموعة السبع، والذين دُعوا لحضور القمة من قِبل رئيس وزراء كندا، رؤساء دول الهند وأوكرانيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وكوريا الجنوبية وأستراليا والمكسيك والإمارات العربية المتحدة.
تأتي القمة في ظل توتر دولي متزايد، حيث تلتقي ملفات التجارة العالمية والأمن الإقليمي والطاقة في مشهد واحد، كما يشمل جدول أعمال القمة عدداً من الملفات الحرجة، مثل الإنصاف في التجارة العالمية، تأمين المعادن الحيوية، ملف الهجرة غير الشرعية، مكافحة تهريب المخدرات، والقضايا الأمنية الدولية. وعلى الرغم من هذا البُعد الشامل، ترى دبلوماسية القمة أنها معرّضة للتحول إلى لقاءات ثنائية أكثر منها منصة موحدة.
نظراً للاختلافات الواضحة التي ظهرت، خصوصاً بين الولايات المتحدة وكندا، حيث ينادي الرئيس الأمريكي بأن تصبح كندا الولاية رقم 51 الأمريكية. وقرر رئيس الوزراء الكندي مارك كارني، بصفته مضيف القمة، التخلي عن الممارسة السنوية المتمثلة في إصدار بيان مشترك، أو بيان، في نهاية الاجتماع.
ويمكن إيراد أهم الملاحظات بشأن تلك القمة:
أولاً- ريادية دولة الإمارات العربية المتحدة
هي البلد الوحيد الذي دعي لحضور القمة من العالم العربي، في وقت تواصل فيه دولة الإمارات تقديم نموذج عالمي رائد يحتذى للتأثير الإيجابي للاستثمار، في تعزيز التنمية الشاملة والنمو المستدام، ودولة الإمارات وحسب تقرير الاستثمار العالمي، أصبحت في المرتبة ال 16 من حيث أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي في العالم، ففي عام 2023، خصصت دولة الإمارات 22.3 مليار دولار لمشاريع دولية شملت العديد من الأسواق النامية، والتي من شأنها تطوير البنية التحتية الحيوية، وتعزيز إمدادات الطاقة المتجددة، وتنمية الصناعات، وتوفير التعليم، وتحسين الرعاية الصحية، كما استقطبت دولة الإمارات 30.7 مليار دولار في عام 2023، لتحتل المرتبة الحادية عشرة عالمياً من حيث تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. وحضور دولة الإمارات يمكّنها من بناء علاقات وطيدة مع قادة العالم، وتمهيد الطريق لتحقيق نتائج ملموسة في القضايا الرئيسية، بما في ذلك التجارة».
ثانياً- احتفاء كندا وأولوياتها
احتلقت كندا بالذكرى الخمسين لقمة مجموعة السبع الأولى، وبتوليها رئاسة المجموعة لعام 2025.
وبذلك تكون كندا، تولّت رئاسة مجموعة الدول السبع للمرة السابعة في الأول من يناير/ كانون الثاني 2025. والمرات الست السابقة هي، شارلفوا، كيبيك (2018) موسكوكا، أونتاريو (2010) كاناناسكيس، ألبرتا (2002) هاليفاكس، نوفا سكوشا (1995) تورنتو، أونتاريو (1988) أوتاوا-مونتيبيلو، أونتاريو-كيبيك (1981). وتركز رئاسة كندا لمجموعة الدول السبع على ثلاث أولويات: حماية مجتمعاتنا والعالم، تعزيز أمن الطاقة وتسريع التحول الرقمي، تأمين شراكات المستقبل.
ثالثا- مجموعة السبع ورحيل قادتها بوتيرة متسارعة
تواجه مجموعة السبع ظاهرة سياسية غير مسبوقة، خلال الأشهر الماضية، (1) خسر المستشار الألماني أولاف شولتز تصويتاً بحجب الثقة. ثم خسر الانتخابات التشريعية لصالح المستشار الألماني الجديد وزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس (2) استقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. وإثر فوزه في الانتخابات النيابية تولي مارك كارني رئاسة الوزارة (3) بعد تنحي الرئيس جو بايدن عن خوض الانتخابات الرئاسية، وترشيح حزبه الديمقراطي لنائبة الرئيس كامالا هاريس كمرشحة للرئاسة، وقد خسرت الانتخابات الرئاسية أمام مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب بانتخابات عام 2024، (4) كما استقال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا. وانتخب إشيبا شيجيرو رئيساً للوزراء، (5) خسر زعيم حزب المحافظين البريطاني رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الانتخابات البرلمانية، وفاز زعيم حزب العمال السير ريشي سوناك بتلك الانتخابات، وأصبح بالتالي رئيساً للوزراء. ومن ثم لم يبقَ في منصبه في مجموعة السبع سوى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
رابعاً- ترامب يدفع بأجندته «أمريكا أولاً»
كان ترامب هو الورقة الرابحة في القمة. وقد عبّر عن تفاؤل بخصوص التوصل إلى «بضع صفقات تجارية جديدة». يأتي هذا بعد تجربة إدارة ترامب في سياسة تعرف ب«90 صفقة خلال 90 يوماً»، والتي بدأت في إبريل/ نيسان بفرض رسوم جمركية، بهدف تحفيز تدفقات تجارية موسّعة، لكنها أسفرت فقط حتى الآن عن اتفاقين، مع الصين والمملكة المتحدة، غايتهما بلوغ هدف طموح قبل 9 يوليو/تموز. والثابت أن تعريفات ترامب الجديدة أحدثت شرخاً في علاقات واشنطن مع حلفائها في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى. مع رغبة قادة آخرين في التحدث إلى ترامب، في محاولة لإقناعه بالتراجع عن فرض الرسوم الجمركية، وقبل القمة عقد وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية لمجموعة السبع اجتماعاتهم في ويسلر بكندا بالإعراب عن قلقهم القوي حيال تهديد التعريفات الجمركية للتجارة الحرة. وخلال تواجده في قمة كندا سعي ترامب الذي يروّج لسياساته القائمة على مبدأ «أمريكا أولاً» إلى تحقيق مصالح بلاده في التجارة ومجالات أخرى.
وشهد انعقاد القمة تصاعد حاد في التوترات الدولية، لا سيما في الشرق الأوسط، حيث اندلع مؤخراً تصعيد خطِر بين إسرائيل وإيران، والتي بدا أنها فاجأت العديد من قادة العالم، وهي أحدث مؤشر على عالم أكثر تقلباً.
كاتب مصري وأستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية
[email protected]
0 تعليق