ويل مارشال*
على الرغم من إخفاق سلفه في إحداث نهضة صناعية، يحلم الرئيس دونالد ترامب باستعادة ألق قطاع التصنيع الأمريكي، لكنه سيواجه عقبات هو الآخر، إذ لا يملك، مثل أي رئيس، القدرة على إلغاء نصف قرن من التطور.
وهنا يتبادر للأذهان سؤال، لماذا ركّز الرئيسان الأخيران على إعادة إحياء وظائف المصانع؟ كلاهما نشأ في الخمسينات، عندما كانت الولايات المتحدة تتفوق، كعملاق صناعي، على عالم مزقته الحروب.
لكن الإجابة لا تقتصر على الحنين إلى العصر الذهبي الضائع، فهناك أيضاً شعور سائد بأن بلدنا مدينٌ بوعدٍ للأسر العاملة، التي تضررت بشدة من تراجع التصنيع، حيث أدى اختفاء وظائفها ذات الأجور والمزايا اللائقة، إلى تقويض مستويات معيشتهم ومكانتهم الاجتماعية، لتزداد، منذ عام 1971، نسبة الأمريكيين الذين يعيشون بدخل منخفض، وفقاً لتقرير مركز «بيو» للأبحاث.
وخلص التقرير إلى أن الزيادة في نسبة ذوي الدخل المرتفع، كانت أكبر من تلك التي طالت ذوي الدخل المنخفض، وبهذا المعنى، تُعد هذه التغييرات أيضاً علامة على التقدم الاقتصادي بشكل عام.
ومع ذلك، فإن ظهور طبقة متوسطة عليا مثقفة دراسياً بدرجة عالية، لا يُمثل عزاءً يُذكر للأسر العاملة، التي تعاني انعدام الأمن الاقتصادي. وهذا التباين في الآفاق الاقتصادية للعاملين في الجامعات وغير الجامعيين، هو أساس ثورة الطبقة العاملة اليوم، ضد النخب السياسية هنا وفي جميع أنحاء أوروبا.
ويُصر الشعبويون على أن علاج التفاوت الاقتصادي، يكمن في زيادة وظائف المصانع. ولكن هل هذا حقاً ما يريده الأمريكيون العاملون؟ لقد أنفق الرئيس جو بايدن تريليونات الدولارات لإعادة بناء الاقتصاد، وتخلى عن التجارة لصالح التعريفات الجمركية والسياسة الصناعية، وحاول تفكيك عمالقة التكنولوجيا، الذين حلوا محل شركات الصناعة الكبرى في الماضي. ومع ذلك، لم يحقق اقتصاده سوى مكاسب صافية هامشية في وظائف الإنتاج.
أما ترامب، فيعتقد أنه يستطيع تحسين أدائه، بفرض ضرائب باهظة على الواردات، ما سيُجبر المصنّعين على نقل إنتاجهم إلى الحضن الأمريكي، خشية فقدانهم الوصول إلى السوق الاستهلاكية الضخمة للبلاد، لكن كلا النهجين يتجاهلان حقيقة أن قطاع التصنيع في الولايات المتحدة لا يزال يتمتع بصحة جيدة، ففي عام 2023، كان ثاني أكبر قطاع صناعي في العالم، بعد الصين من حيث الإنتاج.
إذا، ما تغير هو أن مكاسب الإنتاجية والأتمتة، تضافرتا لتقليص العمالة في المصانع، فمنذ عام 1980، انخفضت نسبة العمال الأمريكيين في قطاع التصنيع بشكل مطرد إلى ما يزيد قليلاً عن 8%. ولم ينعكس هذا الاتجاه بعيداً عن الإنتاج كثيف العمالة، فالطريقة الوحيدة التي يمكن بها لدولة ذات أجور مرتفعة كالولايات المتحدة أن تحافظ على قدرتها التنافسية في قطاع التصنيع هي زيادة كفاءة مصانعها.
في الوقت نفسه، يكسب ما يقرب من 80% من الأمريكيين عيشهم من وظائف موجهة نحو الخدمات.
لقد أصبح الاقتصاد الرقمي، على وجه الخصوص، مصدراً هائلاً للوظائف والمهن الجيدة للعمال من كلا جانبي فجوة الشهادات، وأظهر تحليل جديد أجراه معهد السياسة التقدمية، أنه منذ عام 2019، ارتفعت معدلات التوظيف في قطاع التكنولوجيا والمعلومات والتجارة الإلكترونية، الذي يشمل النطاق العريض والحوسبة السحابية والبرمجيات ومراكز البيانات، بالإضافة إلى تجارة التجزئة عبر الإنترنت، بنسبة 18%، مقارنةً بزيادة قدرها 4% في بقية القطاع الخاص، ويزيد متوسط الأجر الأسبوعي بنسبة 47% عن متوسط الأجر في وظائف القطاع الخاص الأخرى.
*مؤسس ورئيس معهد السياسة التقدمية (ذا هيل)
0 تعليق