بعد « العدوان الغادر» على إيران.. ماذا حدث؟ ما الأهداف والتكتيكات؟.. ما دلالات التوقيت والرسائل الموجهة؟ - هرم مصر

الاسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ماذا بعد «العدوان الغادر» على إيران؟

الأهداف والتكتيكات.. ودلالات التوقيت والرسائل الموجهة

ما موقف الخليج؟ وماذا وراء الصمت الروسي- الصيني؟

تشكل عملية «الأسد الصاعد» العسكرية الإسرائيلية ضد إيران أعنف تصعيد مباشر بين الطرفين، حيث تحاول حكومة بنيامين نتنياهو تقويض العمق الاستراتيجي الإيراني وكسر توازن الردع القائم في الإقليم، وتأكيد أن الاستهداف ليس مجرد ضربات تكتيكية، بل رسالة استراتيجية مزدوجة: انكشاف الخطوط الحمراء لإيران، وأن إسرائيل تملك اليد الطولى في مسرح العمليات.

وفي مقابل رد إيراني محدود وغارق في خطاب التهديد والوعيد، ويصف ما حدث بأنه «عدوان غادر»، كشفت الضربات الإسرائيلية عن ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية (تعتمد على منظومات متعددة، أهمها إس-300 الروسية، ومنظومة باور-373 محلية الصنع) عبر العجر عن الكشف المبكر والتصدي للصواريخ الإسرائيلية، والتصدي للأسراب الجوية الإسرائيلية (مقاتلات إف-35، وإف-15، وإف-16)، المدعومة بطائرات حرب إلكترونية والتزود بالوقود جوًا.

وظفت إسرائيل المسيرات لتشتيت الدفاعات الإيرانية وفتح ثغرات في جدار الحماية الجوي قبل موجة الغارات الأساسية، وبدا الدور الأمريكي على المستوى الاستخباراتي (توفير معلومات دقيقة تم جمعها من طائرات الاستطلاع: RC-135V) قبل الهجوم، ومنظومات الأقمار الصناعية ومنصات التجسس الفضائية والقواعد العسكرية المجاورة لإيران، من خلال تحديد مواقع التجمعات القيادية، وحدات إطلاق الصواريخ، ومستودعات تخصيب اليورانيوم.

وأثارت العملية صدمة كبيرة داخل المؤسسة العسكرية والحرس الثوري تحديدًا، ظهر ذلك في ارتباك التصريحات الإيرانية الرسمية وتناقضها، فضلًا عن حالة الهلع الشعبي التي أعقبت الغارات، نتيجة حجم الدمار والخسائر البشرية التي تعذر إخفاؤها (أكثر من 112 عسكريًا إيرانيًا قُتلوا) لكن الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني، لكنها لم تكن في مستوى ما تم عام 1981، عندما دمرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي، عبر عملية «أوبرا»، والمفاعل النووي السوري في منطقة دير الزور عام 2007، عبر عملية «خارج الصندوق».

ومنذ ذلك الحين، بلورت إسرائيل عقيدة «الضرب أولًا» كخيار دفاعي، أما إيران، فمنذ حربها مع العراق وحتى اليوم، بنت عقيدتها العسكرية على مبدأ «الرد غير المتماثل»، أي استخدام الوكلاء والقوة غير النظامية لتعويض ضعفها في مواجهة الجيوش التقليدية، غير أن عملية «الأسد الصاعد» أعادت ترتيب الأولويات وأدخلت الإقليم في معادلة جديدة، وبعد سنوات من «الحرب الرمادية» بين الطرفين، التي كانت تعتمد على اغتيالات، هجمات سيبرانية، استهداف شحنات أسلحة، لكن المواجهة لم تعد تقتصر على حرب الظل أو الضربات السرية، بل انتقلت إلى مرحلة الحرب الجوية المركزة في العمق الإيراني.

على المستوى الجيوسياسي، تمثل عملية «الأسد الصاعد» لحظة فارقة في ميزان الردع الإقليمي، فإسرائيل، التي كانت على مدار سنوات تتبع سياسة «الغموض البناء» تجاه عملياتها في العمق الإيراني، كشفت هذه المرة عن وجهها سافرا، ورغم أن إسرائيل حاولت احتواء العملية ضمن «ضربة تأديبية استراتيجية»، فإن إيران ترى في الهجوم تعديًا على سيادتها وتهديدًا وجوديًا لبرنامجها النووي، وبعدما فقدت، في وقت سابق، معظم أوراقها الإقليمية (الميليشيات الحليفة التي كانت تنتشر في العراق، سوريا، لبنان، واليمن) لم يعد أمامها سوى الاعتماد على قدراتها العسكرية المباشرة، لخلق حالة ضغط استراتيجي على إسرائيل والولايات المتحدة، والقوى المؤثرة خلف الكواليس، ممثلة في شبكة التحالفات والمصالح، خاصة أن خصوم إيران يصدرون أن التفاوض غير مجدٍ ما دامت أجهزة الطرد المركزي الإيرانية تدور، وأن خيار القوة أصبح أداة تفاوض في حد ذاته.

يعيد هذا إلى الأذهان العقيدة العسكرية الإسرائيلية (عقيدة بيجن) التي تنص على منع أي دولة في المنطقة من امتلاك السلاح النووي، حتى لو تطلب ذلك ضربة استباقية (تجربتي العراق وسوريا) لكن الاختلاف هذه المرة يكمن في الطبيعة اللامركزية للبرنامج النووي الإيراني، الذي يتوزع على عشرات المواقع، بعضها مخفي تحت الأرض بعمق يتجاوز 80 مترًا، ويصعب تدميره حتى بأقوى القنابل الخارقة للتحصينات، كما أن إيران تمتلك قدرات ردع متعددة الطبقات، تبدأ من الصواريخ الباليستية وتصل إلى الهجمات السيبرانية.

عملية «الأسد الصاعد» كشفت عن تحولات عميقة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، التي باتت تعتمد على «الضربات المهيمنة» بدلًا من العمليات المحدودة، وهذا النمط من العمليات يعكس حالة من الهلع الاستراتيجي داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي ترى أن الزمن لا يعمل لصالحها، في ظل تعاظم القوة الإيرانية وتنامي محور المقاومة. لذلك، فإسرائيل تحاول كسر المعادلة بالقوة، حتى لو عنى ذلك مواجهة متعددة الجبهات، ترى أنها أهون من سيناريو إيران نووية محصنة.

تبدو عملية «الأسد الصاعد» لحظة مفصلية في تاريخ الصراع الإيراني- الإسرائيلي، حيث تجاوزت حدود الرسائل الرمزية إلى الفعل العسكري المباشر، بل وواسع النطاق، وهي لحظة تضع كل الأطراف أمام معادلة جديدة، فإما الرد والتصعيد نحو حرب شاملة، وإما العودة إلى طاولة التفاوض تحت ضغط الضربات، مع ما يحمله كل خيار من كلفة سياسية وعسكرية واقتصادية، وقد رفضت إيران «رسميًا» دفع هذه التكلفة، عندما علقت مشاركتها في المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، بحجة أنها «شريك في العدوان»، خاصة مع وجود شخصيات نافذة في وزارة الدفاع الأمريكية ومجمع الاستخبارات تلعب دورًا في دعم استراتيجية نتنياهو، انطلاقًا من رؤية مفادها أن تحجيم إيران بات ضرورة لحماية المصالح الأمريكية في الخليج وإسرائيل.

هذا التحول له دلالات عميقة في ميزان القوى الإقليمي، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الاتفاق النووي الإيراني، وتوازنات الردع في الخليج، وموقف القوى الدولية الكبرى مثل روسيا والصين، وفي الخلفية، تبرز الولايات المتحدة بوصفها الداعم الصامت، لكنها المؤثر الأكبر، وهذا الدعم يعكس رغبة أمريكية في احتواء النفوذ الإيراني، دون الانجرار إلى حرب شاملة، مع ترك إسرائيل تقوم بـ«العمل القذر»، كم أن هذه التطورات ستعيد تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية، فدول الخليج، التي تسعى لتقارب هادئ مع طهران منذ الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية، قد تجد نفسها في موقف حرج بين الانفتاح الاقتصادي والخطر الأمني.

ولعل ما يزيد المشهد تعقيدًا هو الصمت الروسي- الصيني، وهو صمت يُقرأ ضمن ميزان النفعية، فموسكو، المنشغلة في الحرب الأوكرانية، تجد نفسها عاجزة عن الرد أو حتى الإدانة العلنية، خوفًا من التصعيد مع الغرب، أما بكين، التي ترتبط بعلاقات اقتصادية متنامية مع طهران، فإنها تدرك أن استقرار الخليج ضروري لمصالحها في مجال الطاقة، وبالتالي فهي توازن بين مصالحها الإيرانية وتفاهماتها مع إسرائيل وأمريكا، وهذا التوازن الهش يعكس طبيعة النظام الدولي المتعدد الأقطاب، حيث لا يُقاس النفوذ بالولاء، بل بالقدرة على المناورة في الوقت المناسب.

تداعيات هذه العملية على المدى البعيد تحمل ثلاثة سيناريوهات رئيسة: أولًا، احتمال نشوب حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، وهو سيناريو مستبعد مرحليًا، نظرًا للتوازنات الدولية، لكنه يبقى قائمًا إذا ما قررت إيران الرد بقوة. ثانيًا، تصاعد عمليات الاغتيال والهجمات السرية المتبادلة، بما يعيد مناخ المنطقة إلى ما يشبه حقبة ما قبل الاتفاق النووي لعام 2015. ثالثًا، توسيع الفجوة داخل إيران بين المؤسسة العسكرية والمتشددين من جهة، والجمهور الناقم على الأوضاع الاقتصادية والسياسية من جهة أخرى، مما قد يسرع من وتيرة الاحتجاجات الداخلية، نتيجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، أو ينقلب السحر على الساحر ويحدث الاصطفاف في مواجهة العدو الخارجي.

أما في إسرائيل، فقد جاءت العملية في سياق داخلي لا يقل اضطرابًا. فحكومة نتنياهو تواجه انتقادات واسعة بسبب فشلها في إدارة الحرب مع غزة، وانقسام المؤسسة الأمنية حول أولويات المواجهة.

لذا، ينظر كثيرون إلى «الأسد الصاعد» كعملية تهدف إلى استعادة الثقة الداخلية، وتعزيز صورة نتنياهو كقائد حازم في زمن الأزمات، لكنه بذلك يدفع المنطقة كلها نحو حافة الهاوية، خصوصًا في ظل استعداد إيران للرد، وتصاعد التوترات على جبهات متعددة.

عملية «الأسد الصاعد» قد تكون جولة أولى في حرب لم تُعلن بعد، لكن تكتب فصولها الآن، بصمت المقاتلات وضجيج الصواريخ. عملية تختبر ليس فقط قدرة إسرائيل على توجيه ضربات موجعة، بل أيضًا قدرة إيران على امتصاصها دون الانهيار، ومع دخول المنطقة مرحلة ما بعد الردع، باتت كل العواصم الإقليمية مطالبة بإعادة حساباتها، لأن العملية (بكل أدواتها وتداعياتها)، تعيد تشكيل المعادلة الاستراتيجية في المشرق، وتدفع بمخاوف الانفجار الكبير إلى واجهة النقاش الإقليمي والدولي.

اقرأ أيضاً
«أسد يهوذا».. البعد الديني في استهداف إسرائيل لإيران؟

«خامنئي» يسارع بتعيين قيادات جديدة.. ماذا بعد محاولة تفريغ قمة الهرم العسكري الإيراني؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق