قضية «إسكوبار الكويت»... الهروب الكبير! - هرم مصر

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في فبراير 1998، استفاق الشارع الكويتي على واحدة من أخطر وأعقد قضايا الهروب من السجون في تاريخ البلاد، إنها قضية «إسكوبار الكويت»، كما وصفته الصحافة استلهاماً من زعيم المخدرات الكولومبي الشهير بابلو إسكوبار، فلم يكن مجرد سجين عادي، بل كان مدبراً وفاعلاً رئيسياً في شبكة معقدة من جرائم الاتجار بالمخدرات انتهت به إلى السجن المركزي بحكم بالحبس لمدة 15 عاماً.

لكن ذلك لم يكن نهاية القصة، بل بدايتها، ومن هنا وقع الاختيار في برنامج «رفعت الجلسة»، الذي يقدمه الزميل المحامي د. حسين العبدالله، على «إسكوبار الكويت» لتكون قصة الحلقة السادسة من البرنامج.



وحسبما كشفت التحريات وقتها، لم يكن السجن نهاية المطاف بالنسبة لإسكوبار الكويت، فقد دبر اتفاقاً سرياً مع مدير السجن المركزي آنذاك، وهو ما أوضحته لاحقاً أوراق التحقيقات، بأن مبلغاً ضخماً، قدر بـ 600 ألف دينار، كان ثمناً لعملية الهروب.

وبالتعاون مع ضباط داخل السجن، تم ترتيب عملية «الهروب الكبير» بدقة شديدة، وفي ليلة التنفيذ أُخرج إسكوبار من زنزانته عبر أحد الضباط، وتم نقله في مركبة مدير السجن نفسه، وجرى تهريبه خارج أسوار السجن من خلال إخفائه داخل صندوق السيارة، وبعد تجاوز أسوار السجن بنجاح، كان هناك «قارب بانتظاره على السواحل الكويتية، لنقله إلى المياه الإقليمية وصولاً إلى إيران، حيث بدأ فصلاً جديداً من الهروب».

ولم يتوقف المخطط عند تهريب إسكوبار وحده، بل شمل الترتيب أيضاً 6 سجناء آخرين من الجنسية الإيرانية، «عبر فتحة تم قصها في نظام التهوية داخل عنبر السجناء»، حيث نجحوا في الزحف والخروج عبر السقف والقفز من السور الخارجي، إذ كانت سيارة أخرى بانتظارهم لتنقلهم إلى القارب ذاته الذي استخدمه إسكوبار.



وبعد حوالي أربعة أشهر في إيران، لم يرق المقام لإسكوبار هناك، وبجواز سفر مزور، انتقل إلى إمارة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أعاد نشاطه الإجرامي هناك، حتى وقع في قبضة السلطات الإماراتية، وسلم لاحقاً إلى النيابة في إمارة عجمان.

أمام وكيل النيابة هناك في إمارة عجمان، أدلى إسكوبار باعترافات تفصيلية صادمة، أقر فيها بدفعه مبلغ الرشوة، وتخطيطه الكامل لعملية الهروب بالتعاون مع مدير السجن وآخرين، وتم نقل هذه الاعترافات لاحقاً إلى السلطات الكويتية، لتفتح واحدا من أعقد ملفات المحاكمات الجنائية في الكويت.

وفي قاعة الجنايات بمبنى قصر العدل، وتحت رئاسة المستشار نايف المطيرات، انطلقت المحاكمة التاريخية التي ضمت 19 متهماً، من بينهم مدير السجن المركزي، ورئيس السجن، وعدد من حرس السجن، والضباط الذين اتهموا بالتواطؤ والإهمال.

وتزايدت أهمية القضية بعد أن طلب الدفاع انتقال هيئة المحكمة لمعاينة السجن المركزي ميدانياً، وهو ما لبته المحكمة بالفعل، حيث أعدت تقريراً مفصلاً عن كيفية تنفيذ عملية الهروب، وعاينت الزنازين، وفتحات التهوية، وراجعت أماكن التسلل والقفز على الأسوار.

ورغم ضخامة القضية وزخمها الشعبي والإعلامي فإن الأحكام النهائية جاءت تحمل الكثير من المفارقات، إذ حصل مدير السجن المركزي على حكم بالبراءة من تهمة الرشوة، لعدم توفر أدلة قاطعة أو تسجيلات مصورة تثبت تورطه.

لكن في المقابل، أدين رئيس السجن بتهم تتعلق بتزوير المحررات الرسمية والتلاعب بالتوكيلات لمصلحة بعض النزلاء، وحكم عليه في البداية بالسجن خمس سنوات، قبل أن يخفف الحكم لاحقاً أمام محكمتي الاستئناف والتمييز إلى الحبس سنة مع وقف النفاذ.

أما بالنسبة لإسكوبار الكويت ففي عام 2009، وبعد قضاء سنوات في السجون الإماراتية، تم تسليمه إلى الكويت، وأمام المحاكم الكويتية، حاول المتهم التمسك ببراءة مدير السجن ليبني عليها دفاعه، لكن المحكمة رفضت هذا الدفع استناداً إلى اعترافاته الكاملة أمام النيابة الإماراتية.

وبموجب ذلك أدين إسكوبار مجدداً، إلا أن المحكمة خففت العقوبة من عشر إلى خمس سنوات إضافية، نفذت إلى جانب محكوميته الأصلية بالسجن 15 سنة.

وقضية إسكوبار الكويت ليست قضية أفراد فقط، بل محاكمة هزت وزارة الداخلية، وكشفت عن ثغرات خطيرة في منظومة السجون الكويتية آنذاك، خاصة غياب التسجيلات يوم الهروب، وسهولة اختراق العنابر، وضعف إجراءات الحماية.

وفي حيثيات حكمها، أهابت محكمة الجنايات بوزارة الداخلية إعادة النظر في تنظيم وإدارة السجون ومعالجة الثغرات التي كادت تضع الأمن الكويتي في مأزق خطير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق