سايكس – بيكو: ماضٍ وحاضر بائس...؟! - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
بحلول يوم الجمعة 16 مايو 2025م (الموافق 18/‏ 11 /‏ 1446هـ)، تكون قد مرت 109 أعوام على الاتفاق الاستعماري الشهير، سايكس - بيكو، الذي تعرضت له المنطقة العربية، وما زال معظمها خاضعاً له، ومنفذاً له، ويعاني من تبعاته السلبية كثيراً. إذ تم قبل قرن وعقد (يوم 16 /‏ 5 /‏ 1916م) إبرام ما عُرف فيما بعد باتفاقية سايكس – بيكو، بين بريطانيا وفرنسا، والتي بموجبها تم تقسيم العالم العربي، وتقاسم أراضيه، فيما بين الدولتين الاستعماريتين بريطانيا، ممثلة بالدبلوماسي البريطاني مارك سايكس، وفرنسا، ممثلة بالدبلوماسي فرانسوا جورج بيكو. وقد عرفت هذه الاتفاقية باسميهما.

كانت معاهدة بريطانية – فرنسية سرية، شاركت فيها روسيا القيصرية التي كانت تتطلع لنشر نفوذ لها بالمنطقة، ولكنها سقطت بقيام الثورة البلشفية في روسيا، في أكتوبر 1917م. وقد كشفت هذه الاتفاقية، أول ما كشفت، من قبل الزعماء البلاشفة الروس الشيوعيين. فأحدث الإعلان عنها ردود فعل عربية وغير عربية غاضبة. من ذلك: قيام الثورة العربية بقيادة الشريف حسين. اضطرت بريطانيا، تحت ضغوط ردود الفعل، العربية والعالمية، هذه، إلى إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليها... أدت إلى قيام بعض الدول العربية شبه المستقلة.

ولكن بريطانيا طعنت العرب بخنجر غدرها المشهود، فأصدرت يوم 2 نوفمبر 1917م وعداً بإعطاء فلسطين للصهاينة، لتكوين «وطن قومي يهودي» فيها. وهو الوعد الشهير بـ«وعد بلفور»، نسبة لوزير خارجية بريطانيا آنئذ. فوضعت بريطانيا بذلك الأساس لدويلة إسرائيل، وأعطت أرضاً لا تملكها لعصابات لا تستحقها. ولم تكتف بريطانيا بذلك، بل سهلت قيام الكيان الصهيوني ودعمه حتى الآن، بعد زرعه في قلب الأمة العربية. وما زال هذا الدعم متواصلاً.

ولامتصاص الشعور القومي العربي المتزايد، في تلك الآونة، نحو الاتحاد العربي، رتبت بريطانيا لإقامة «جامعة الدول العربية» بميثاقها المعروف... الذي يوحد العرب اسمياً، ويفرق بينهم ويمزقهم أشتاتاً في الواقع العملي كما هو معروف من قبل جميع المعنيين. ومع ذلك، يجب ألا تلام بريطانيا وحدها على هذه الفرقة، التي يجب أن يتحمل أغلب العرب، ماضياً وحاضراً، وخاصة نخبهم، معظم مسؤوليتها.

****

بدئ في التمهيد لمعاهدة سايكس – بيكو خلال الحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914م، واستمرت حتى عام 1918م، وعندما كانت الدولة العثمانية تترنح، حتى أطلقت عليها صفة «الرجل المريض»، والذي أصبحت مناطق نفوذه وممتلكاته وسيادته نهباً للمستعمرين والطامعين الأوربيين، الذين تكالبوا عليها بشراسة. وقد سبق إبرام هذا الاتفاق عقد مفاوضات سرية بين بريطانيا وفرنسا لاقتسام العالم العربي بعد تقسيمه، وترك لفرانسوا بيكو ومارك سايكس تنفيذ ما اتفق عليه، وإكمال إجراءات التقسيم المقترح، والقسمة المبيتة على الأرض.

جيء بخارطة للمنطقة، وبدئ في رسم الحدود المقترحة لمعظم بلادها. رسم سايكس خطاً يمتد من مدينة عكا بفلسطين إلى مدينة كركوك بالعراق... مقسماً المنطقة إلى نصفين، دون مراعاة للاختلافات العرقية والمذهبية. أُعطيت سوريا وما جاورها للفرنسيين، والعراق وجنوب شبه الجزيرة العربية للبريطانيين، وكذلك بقية المناطق على النحو الذي استمر حتى الوقت الحاضر. ولم تقم دولة كردية.

وبعد انكشاف أمر هذه الاتفاقية، وقع البريطانيون والفرنسيون في حرج كبير أمام المجتمع الدولي، خاصة في فترة كان المجتمع الدولي فيها يعمل على إنهاء الاستعمار القديم. وتخفيفاً لهذا الحرج، حاولت بريطانيا وفرنسا الإيحاء للعالم بأنهما بهذا الاتفاق تمهدان لاستقلال هذه البلاد رسمياً. ومع ذلك، تم التأكيد على محتوى هذه الاتفاقية في مؤتمر سان ريمو عام 1920م، ثم أقر مجلس عصبة الأمم وثائق «الانتداب» على المناطق المعنية وفق ما اتفق عليه سايكس وبيكو.

وأكدت معاهدة لوزان عام 1923م ما اتفق عليه، مع إجراء تعديلات طفيفة... شملت التنازل عن أجزاء من شمال سوريا لتركيا، وغيرها. وفى المغرب العربي، تناوبت كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا على رسم الحدود في ما بين البلاد المغاربية العربية. فأصبحت هناك، في نهاية الأمر، 22 دولة عربية بحدود تم التوافق عليها عالمياً، ومن ثم عربياً.

إن أسوأ ما تمخض عن اتفاقية سايكس – بيكو هو تمزيق العالم العربي، ورسم حدوده بما يتوافق ومصالح الغرباء والمستعمرين، وبما تسبب لاحقاً في نشوء مشاكل عربية - عربية لا حصر لها. هذا، إضافة إلى زرع الكيان الصهيوني الدخيل في قلب الوطن العربي، ليمثل قاعدة متقدمة، تهدف لإيذاء وإضعاف وتدمير هذا الوطن الكبير، وعرقلة أي محاولة جادة له للنهوض والازدهار والاتحاد. ويقوم الكيان الصهيوني بدوره الهدام هذا منذ نشوئه في العام 1948م. ثم قامت فرنسا وبريطانيا بتسليم الراية (المنطقة) لأمريكا. فواصلت أمريكا النهج، وطبقته أضعافاً مضاعفة. فكانت المأساة - وما زالت - أشد إيلاماً، وأكثر خطورة.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق