كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتتوسع فصوله في كافة المناطق، بينما تتصاعد المجازر، وتتعمّق المجاعة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان المُستعر، منها مشهد يرصد تزايد أعداد المفقودين في محيط مراكز توزيع المساعدات الأميركية في قطاع غزة، ومشهد آخر تحت عنوان: "مجمع ناصر محاط بالنيران"، ومشهد ثالث يُوثق تسوّل الجوعى على خيام النازحين للحصول على الطعام.
تزايد أعداد المفقودين
مازالت مراكز المساعدات الأميركية تتسبب بحصد أرواح عشرات الأبرياء بشكل يومي، إضافة إلى إصابة المئات، والتسبب بمعاناة وإذلال كبيرين للمواطنين.
ولم يقف الحد على ما ذكر من أنواع التنكيل والإذلال، إذ باتت المراكز ومحيطها، تشهد فقدان عدد كبير من المواطنين، يدخلونها لجلب المساعدات، ولا يعودون، دون أن يُعرف مصيرهم.
وتغص مواقع التواصل الاجتماعي بعدد كبير من المناشدات بشكل يومي، لمواطنين يبحثون عن أبنائهم وأحبتهم، الذين حاولوا الوصول إلى المراكز المذكورة، ثم فقدوا ولا يُعرف شيء عن مصيرهم.
ويضطر بعض المواطنين إلى التوجه للمراكز المذكورة بحثاً عن أبنائهم، وبعضهم وجدوهم جثثاً هامدة، وآخرون لم يجدوا لهم أي أثر.
وقال المواطن ياسر سليمان، إن شقيقه توجه إلى المركز منذ يومين ولم يعد، وبحثوا عنه في المستشفيات، وفي أماكن أخرى ولم يجدوا له أي أثر، ولا يعرفون عنه شيئاً، فآخر مرة شوهد فيها كانت داخل مركز المساعدات، يتقدم للحصول على طرد غذائي، وبعدها لم يتم مشاهدته.
وأشار سليمان إلى أنهم يواصلون البحث عنه، ولا يعرفون أية معلومة، فالبعض يتوقع أنه تم اعتقاله، وآخرون يقدرون أن عصابات البلطجية اختطفته وربما قتلته في مكان لا يعرفونه، وربما جرى قتله من قبل الاحتلال ولم يُعثر على جثمانه، وفي كل الأحوال هم بحاجة إلى معرفة مصيره، ومصير العشرات الذين فقدوا داخل وفي محيط المراكز المذكورة.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فقد ارتفع عدد شهداء "مراكز التوزيع المساعدات الإسرائيلية-الأميركية" إلى 163 شهيداً و1,495 مصاباً، وكلهم من المدنيين المُجوَّعين الباحثين عن لقمة العيش تحت الحصار والتجويع.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي إن "هذه الأرقام المفزعة تكشف الوجه الحقيقي لما تُسمى "مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)"، التي باتت أداة قذرة في يد جيش الاحتلال، تُستخدم لإيقاع المدنيين في كمائن الموت، تحت ستار العمل الإنساني"، موضحاً أن "استمرار هذه المؤسسة في عملها الإجرامي القاتل"، رغم توثيق استهداف طواقمها للمدنيين العُزل، يؤكد أنها جزء من منظومة الإبادة والقتل المنظم، وليست جهة إغاثية بأي معيار.
مجمع ناصر محاط بالنيران
بات مجمع ناصر الطبي الواقع غرب محافظة خان يونس، وهو المستشفى الوحيد الذي يعمل جنوب قطاع غزة، يقع ضمن دائرة القصف والغارات على مدار الساعة، ما يُهدد بإخلائه، ويضع المتواجدين فيه، سواء مرضى، أو طواقم طبية في دائرة الخطر الشديد.
ودفع تضييق الاحتلال على المستشفى، بعض الفرق الطبية التابعة لمؤسسات دولية إلى مغادرته، حفاظاً على حياة طواقهما.
وأكدت منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود، باسكال كوسار، أن أوامر التهجير الصادرة عن قوات الاحتلال وقصفها في محيط مستشفى ناصر بخان يونس، أدى إلى إجبار "أطباء بلا حدود" على تعديل عملياتها داخل المستشفى، ونقل جزء من أنشطة علاج الحروق وجراحة العظام إلى مستشفى المؤسسة الميداني في دير البلح، وهذا يقلل من المخاطر التي يتعرض لها بعض المرضى وأفراد الطاقم، "الذين تأتي سلامتهم على رأس أولوياتنا".
وأكدت كوسار، أنه "ورغم انعدام الأمن والقيود المفروضة على الحركة، يستمر التزامنا تجاه مستشفى ناصر من خلال تواجدنا الفعلي وعملنا في جناحَي الأمومة والأطفال، وتوفير الخبرات التقنية، وزيارات الخبراء، والدعم المالي".
وأوضحت أن هذا المرفق الصحي يُعتبر آخر وحدة فعّالة للعناية المركزة للأطفال وحديثي الولادة في جنوب القطاع، والتي لا يمكن نقلها، "حيث يمثل مستشفى ناصر آخر أمل تبقّى للفلسطينيين في جنوب غزة، خاصة النساء والأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة، والذين يعيشون تحت القصف المستمر والتهجير، وفي ظل الحرمان حتى من الإمدادات والخدمات الأساسية"، معتبرة أن حماية واحترام هذا المرفق الطبي احتراماً كاملاً وإبقاءه قادراً على العمل، أمران مصيريان.
من جهتها، أكدت وزارة الصحة في قطاع غزة، أن خروج فريق منظمة أطباء بلا حدود - فرنسا (MSF France) من المجمع هو خروج مؤقت جاء بناءً على قرار من رئاسة المنظمة في باريس، وذلك لحين تحسّن الأوضاع الأمنية في المنطقة، وهو خروج قصير الأمد ولا يعني بأي حال انسحاباً دائماً من العمل الإنساني والطبي داخل المجمع، مؤكدة استمرار تواجد وعمل باقي المؤسسات الدولية في المجمع، بما في ذلك مؤسسة الإغاثة الطبية للفلسطينيين (MAP)، والمنظمة الطبية البريطانية (UK-MED)، ومنظمة أطباء بلا حدود - إسبانيا (MSF Spain)، والتي تواصل تقديم خدماتها الطبية للجمهور في مختلف أقسام المجمع دون انقطاع.
وأشارت الوزارة إلى استمرار تقديم الخدمات الطبية بشكل كامل في قسمي العظام والحروق، إلى جانب باقي الأقسام التخصصية في المجمع.
تسوّل الطعام
بات تسوّل الطعام من قبل نساء وأطفال، من المشاهد اليومية المألوفة في قطاع غزة، بعد أن اشتدت المجاعة، وتوقفت المساعدات، وزادت حاجة المواطنين للطعام.
ويتجول المئات على الخيام وفي الشوارع وعلى المحال التجارية والبسطات، لا يطلبون مالاً، بل يطلبون القليل من الطعام "رغيف خبز، أو القليل من العدس أو المعكرونة..".
وقالت المواطنة "أم محمود"، التي رفضت ذكر اسمها كاملاً، إن أطفالها لم يتذوقوا الطعام منذ أيام، ولا يوجد في خيمتها ما يسدون به رمقهم، وهذا دفعها مُكرهة للتسول على الخيام، وعلى المنازل، في محاولة للحصول ولو على القليل من الطعام.
وذكرت أنها تعلم أن المواطنين جميعاً يمرون بمجاعة، وضائقة شديدة، لكن رغم ذلك تفهّم البعض وضعها، وأعطوها طعاماً كانت تعود به إلى أطفالها، وفي أحد الأيام حصلت على علبة فول، وكمية قليلة من العدس والمعكرونة، وثلاثة أرغفة من الخبز.
وبينت "أم محمود"، أن الوضع صعب، والسلع في السوق شحيحة، وأسعارها مرتفعة، ولا تعرف كيف تدبّر أمورها، ولا يوجد لها باب سوى التسول، أو الذهاب إلى مراكز المساعدات الأميركية، وتخشى أن يتم قتلها، ولا يجد أطفالها من يعيلهم بعدها.
بينما قال المواطن محمد سالم، وهو نازح في مواصي خان يونس، إن قرع باب خيمته لا يتوقف، لأشخاص يطلبون المساعدة.
وأكد أن أسوأ ما في الأمر أن جائعاً يطلب مساعدة من جائع مثله، رغم ذلك يُحاول قدر المستطاع عدم رد سائل، ويُعطي على قدر استطاعته، رغم أنه بحاجة لكل حبة عدس ورغيف خبز.
وأشار سالم إلى أنه لولا حالة التكافل التي تجلت خلال الحرب الحالية، وبعض المبادرات الصغيرة التي ينفذها مبادرون، وأهل الخير، ويتم خلالها توزيع بعض المعونات الشحيحة، لمات الكثير من الناس جوعاً.
ودعا سالم وغيره من المواطنين مصر، باعتبارها الجار الأقرب لقطاع غزة، إلى التدخل لنجدة السكان، والعمل على إدخال الطعام والدواء لهم في أسرع وقت ممكن، قبل أن يهلك عشرات الآلاف بسبب الجوع.
بينما يُشاهد آلاف المواطنين يصطفون أمام "تكايا" الطعام المحدودة، التي مازالت تعمل في مواصي خان يونس، طلباً للقليل من الطعام الشحيح، وغالبية هؤلاء لا يحصلون على شيء، لقلة الطعام المتوفر، مقارنة بعدد المواطنين الكبير، الذين يقفون أمام "التكايا".
0 تعليق