ومن الملاحظ أن كتب التراث أصبغت قداسة لأحداث مليئة بالدم والحروب والسياسة والمصالح الشخصية. كما نجد أن بعض المؤسسات التعليمية في عالمنا الإسلامي ما زالت تردد مقولة «إن المسلمين نقلوا علوم الإغريق دون إضافة»، بينما الكتب والوثائق تثبت أن ابن الهيثم أسّس البصريات الحديثة، وأن الخوارزمي وضع أسس الجبر، وأن ابن النفيس اكتشف الدورة الدموية قبل هارفي بقرون! حتى خرائط الجغرافيا القديمة تم تزويرها، فنجد أن «خطوط الطول والعرض» التي ندرسها اليوم هي إسقاط «ميركاتور» الاستعماري الذي يصغّر حجم أفريقيا وآسيا عمداً لتمويه هيمنة الغرب. لا شك أن بعض هذه الأخطاء قد تكون عن جهل أو تحيز غير مقصود.
ولا ننسى كيف حوّل الإعلام الغربي الاستعمار إلى «مهمة تحضيرية»، فبريطانيا صورت احتلالها للهند على أنه «إنقاذ للهنود من براثن التخلف»، بينما الوثائق البريطانية نفسها تكشف أنهم نهبوا 45 تريليون دولار من ثروات الهند! والأمر نفسه ينطبق على فلسطين، حيث يصورون الاحتلال الصهيوني على أنه «إعادة بناء أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، رغم أن الأرشيف العثماني والصور التاريخية تثبت وجود مدن فلسطينية مزدهرة قبل 1948.
حتى أن بعض المستشرقين الذين يقدمون أنفسهم كـ«محايدين» مثل برنارد لويس، كتبوا أن «العرب لا يفهمون إلا لغة القوة»، بينما ابن خلدون شرح في مقدمته أن الحضارات تسقط عندما تتحول من العدل إلى الظلم! والأسوأ أن بعض الجامعات العربية ما زالت تدرّس نظرياتهم على أنها حقائق مطلقة.
التاريخ ليس مجرد أحداث مضت، بل هو هوية وشاهد على الحق. وإذا كنا سنسمح للآخرين بكتابة تاريخنا نيابة عنا، فكأننا نتنازل عن جزء من روحنا وهويتنا ومستقبلنا.
اليوم، حين نرى بعض الكتب مثل «الاستعمار.. الجريمة الكاملة» أو كتاب إدوارد سعيد «كيف تم تزوير تاريخهم»، ندرك أن المعركة الحقيقية هي معركة وعي. فهل نستمر في تلقين الأجيال روايات المتحيزين من المستشرقين وغيرهم، أم نعيد كتابة تاريخنا بأنفسنا؟ التاريخ ليس مجرد أحداث مضت، بل سلاح هوية.. فمن يتحكم في الماضي يسيطر على المستقبل.
أخبار ذات صلة
0 تعليق