بخيمة وجوع وخوف.. لسان حال أهالي غزة وهم يستقبلون العيد - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غزة- يحل عيد الأضحى هذا العام على سكان قطاع غزة محملا بثلاثية قاسية: جوع، وخوف، وتشرد، فلا طقوس للعيد كما اعتادت غزة أن تحياها، لا تكبيرات في المساجد التي هُدمت، ولا ملابس جديدة تُفرح الأطفال، ولا موائد عامرة يلتف حولها الأهل، وكل ما في المشهد اليوم هو خيام تتناثر على الرمال، وأجساد منهكة من طول النزوح.

فمنذ استئناف إسرائيل حرب الإبادة الجماعية في مارس/آذار الماضي يعيش أغلبية سكان القطاع في ظل مجاعة قاسية نظرا لإغلاق المعابر، وبلا مأوى حقيقي، ويتنقلون من منطقة إلى أخرى هربا من الموت، في حين تهدد إسرائيل بتوسعة عدوانها البري وهدم ما تبقى من المنازل، وهو ما يثير الخوف في نفوس السكان.

تواسي آمنة الغلبان ابنها أحمد وتحاول جاهدة تقديم أقصى درجات الدعم النفسي والاجتماعي له بعد ما تعرض له من مصائب
آمنة الغلبان تواسي ابنها أحمد وتحاول دعمه نفسيا واجتماعيا بعد الإصابة التي تعرّض لها (الجزيرة)

عيد بلا أحلام

يستقبل الفتى أحمد الغلبان (16 عاما) عيد الأضحى هذا العام بعد أن فقد ساقيه وشقيقه التوأم محمد جراء قصف إسرائيلي دمر عالمه بالكامل، وهو الذي كان قبل إصابته لاعب جمباز محترفا ذا أحلام كبيرة، لكنه اليوم يستقبل العيد لا على قدميه، بل على كرسي متحرك، بلا حراك وبقلب يئن من وجعين: الجسد المبتور، والروح المفجوعة بضياع الحلم.

في العيد السابق كان أحمد وأخوه التوأم محمد -الذي كان يحترف الجمباز أيضا- يقضيان وقت العيد معا في مهرجانات وعروض للجمباز، لكنهما الآن غائبان، أحدهما في القبر والآخر في معاناة مستمرة.

إعلان

يقول أحمد الغلبان للجزيرة نت وهو داخل خيمة غربي مدينة غزة "يأتي عليّ العيد وأنا بدون طرفيّ السفليين وبدون أحلامي، كنت لاعب جمباز محترفا، لكني فقدت شقيقي محمد الذي كنت أمضي معه 24 ساعة في العيد".

يأتي العيد على لاعب الجمباز أحمد الغلبان وقد فقد حُلمه وساقيه وشقيقه التوأم
العيد يأتي على لاعب الجمباز أحمد الغلبان وقد فقد حلمه وساقيه وشقيقه التوأم (الجزيرة)

ويضيف بنبرة يكمن فيها الألم "العيد الآن ليس فيه فرحة، لا زيارات ولا معايدات، العيد فيه جوع، وفيه خوف"، ويستذكر الأعياد السابقة، حيث كان مدربو السيرك والجمباز يتصلون به وبأخيه الشهيد محمد لتقديم عروض لإدخال الفرحة في نفوس الأطفال في العيد "كنا نقضي أياما حلوة، لكن الاحتلال منعنا وأفقدني طرفيّ السفليين، وحرمني من أخي التوأم، وحرمني من حلمي"، حسب وصفه.

تتدخل والدته آمنة الغلبان وتقول "كان أحمد ومحمد من أمهر اللاعبين في منطقتنا ببيت لاهيا، يمضيان نهارهما الكامل في أجواء حلوة كتير".

وتضيف بأسى "لكن الآن، ابني أحمد فقد أخاه، توأمه، حبيبه، روحه، فقد أحلامه، هوايته، ساقيه، يأتي علينا عيد الأضحى بأجواء مختلفة، أنا أم فقدت ابنها، وابني الآخر فقد ساقيه".

وتستذكر الغلبان أجواء الأعياد السابقة حينما كانت البهجة تملأ المنازل، مستدركة "لكن الآن، قصف وجوع واحتلال وإبادة جماعية حرمتنا من كل حاجة، نحن في خيمة، نعيش في عذاب، وأحمد يحتاج إلى علاج، إلى نظافة، الحمد لله على كل حال".

أم يوسف لا تجد في العيد ما تطعمه لأطفالها سوى الخبز اليابس الذي جففته قبل عدة شهور
أم يوسف لا تجد في العيد ما تطعمه لأطفالها سوى الخبز اليابس الذي جففته قبل شهور عدة (الجزيرة)

عيد بلا طعام

أمام خيمتها تجلس "أم يوسف" حاملة كيسا يحتوي أرغفة من الخبز المجفف، هو كل ما تبقّى لها لتطعم أطفالها في العيد، تبدأ حديثها بالقول "هذا العيد لا توجد له معالم، نعيش في خوف، كل يومين ونحن في مكان، نحمل أغراضنا وننزح، وحينما نصل إلى مكان جديد يُسقطون علينا مناشير ويطلبون منا النزوح مجددا ويقولون لنا: أخلوا المنطقة، هذه منطقة قتال".

بين كلماتها تمد يدها إلى الكيس وتفتحه لتطعم أولادها قطعا منه كي تسد جوعهم، وتضيف "نحن في وضع لا نستطيع فيه إطعام أولادنا، هذا اليوم الثالث بدون طعام، ولمّا يجوعوا أطعمهم من هذا الخبز الذي جففته في وقت سابق، أنقعه بماء وأعطيه لهم كي يأكلوا".

ثم تسأل بصوت تملؤه الحدة "أين مظاهر العيد؟ يأتي العيد وأنا غير قادرة على إطعام أطفالي؟ هذا ليس بعِيد، كيف يكون العيد وأنا غير قادرة على تأمين حياتهم؟ ولا حتى إسكانهم في مأوى لائق لا يشكل خطرا على حياتهم؟".

إعلان

تصمت لحظة، ثم تشير إلى طفلها الجالس قربها وتقول "في الليل، ابني هذا يصرخ ويقول: ماما.. صاروخ، ويقضي الليل وهو مرعوب"، موضحة أنه على هذه الحال منذ سقوط صاروخ قربهم قبل 4 أيام.

أما عن شعورها هي بالأمان فتجيب بشكل قاطع "لا أشعر نهائيا بالأمان داخل الخيمة، قد تسقط علينا شظية من القنابل، قبل فترة جارتي سقطت عليها شظية في خيمتها وأصيبت في ذراعها".

لا تجد ميسون حلّس أي مظاهر للعيد الذي يأتي بينما يعاني السكان من الجوع والخوف والتشرد
لا تجد ميسون حلّس أي مظاهر للعيد الذي يأتي فيما يعاني السكان من الجوع والخوف والتشرد (الجزيرة)

عيد بلا ملامح

اعتادت ميسون حلّس أن تبدأ الاحتفال بعيد الأضحى مع بداية أيام العشر الأوائل من ذي الحجة بالصيام والعبادة، لكن الوضع الآن يختلف تماما في ظل الجوع والخوف والتشرد.

ومن أحد مراكز النزوح غربي مدينة غزة تتحدث حلّس للجزيرة نت بمرارة "في ظل الجوع والعيش بمراكز الإيواء والخوف والدمار والفزع داخل الخيام البائسة صعب جدا أن تحتفل بالعيد".

وتسترجع مشهدا من ذاكرتها "أتذكر حينما كان يأتي العيد وأنا في بيتي وأجهز لأولادي كسوة العيد والحلويات، كان للعيد مذاق خاص، وكانت أمورنا ميسرة، وهناك أمان وراحة بال، لكن الآن كل هذا غير موجود، وانقلبت الأمور"، وتضيف "نحن نعيش في وضع مأساوي، نفتقد للأمان، ونفتقد للطعام، ونفتقد للمأوى".

وتكمل "نواجه الجوع والفقر وصعوبة الوصول للطعام، وأيضا نعيش في أجواء من الرعب مع اقتراب القصف من مناطق قريبة منا، وتعرضنا للخطر جراء سقوط شظايا القنابل على خيامنا التي لا تحمي ساكنيها".

تخلو غزة من أي مظاهر للعيد في ظل الأوضاع الصعبة التي تحياها
غزة تخلو من أي مظاهر للعيد في ظل الأوضاع الصعبة التي تحياها (الجزيرة)

 

وقبيل يومين زارت حلّس أحد أسواق مدينة غزة فوجدته "بدون أي علامات أو أجواء للعيد مطلقا"، وتضيف "وجوه الناس شاحبة، والجوع واضح على ملامحهم، لا توجد لحوم ولا حلوى مطلقا، وهو ما يميز عيد الأضحى في غزة، لكنه للأسف مختفٍ، لا أحد يشتري ملابس، الأجواء سوداوية حزينة كما قلوب شعبنا البائس".

وتعترف بخوفها العميق على عائلتها، حيث تقول "أخشى إصابة أحد أولادي أو زوجي، خاصة أني فقدت الكثير من أقاربي، هذا الأمر يزيد الضغط علينا ويصيبنا بالتوتر، كما نخشى من تهجيرنا مجددا إلى الجنوب كما بالسابق، وهذا الأمر يصيبنا بالهلع والرعب".

إعلان

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق