"درب زبيدة" طريق الحج العظيم بين العراق ومكة - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

درب زبيدة طريق تاريخي يربط مكة المكرمة بمدينة الكوفة جنوبي العراق، وتجاوز كونه مسارا للحجاج ليصبح معبرا للحضارات وناقلا للثقافة والتجارة عبر الزمن. نُسب إلى زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة هارون الرشيد، التي بادرت بترميمه.

مثّل درب زبيدة في حينه نموذجا متقدما في تخطيط البنية التحتية لخدمة الحجاج، واحتفظ بدوره الحيوي قرونا عدة رغم عوامل الإهمال والزمن.

الموقع

درب زبيدة، أو طريق الحج الكوفي، من الطرق التاريخية البارزة التي ربطت بين الكوفة ومكة المكرمة، واكتسب أهميته من كونه مسارا رئيسيا للحجاج والمسافرين عبر العصور الإسلامية.

وسُمي الطريق باسم زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، التي أسهمت في ترميمه وتزويده بالمنشآت الخدمية.

كان يسلك هذا الطريق حجاج بيت الله الحرام من العراق وبعض مناطق الشام، كما كان مسارا تجاريا هاما شهد تلاقي حضارات مختلفة وتبادلا ثقافيا واسعا.

يبدأ مسار الدرب من الكوفة، ويمر بمحطات رئيسية داخل الأراضي العراقية مثل أم القرون والطلحات وشراف والعقبة الحدودية.

ويبدأ الجزء الواقع في أراضي المملكة العربية السعودية من درب زبيدة في محافظة رفحاء بمنطقة الحدود الشمالية، ويمتد جنوبا إلى مكة المكرمة بطول يزيد على 1400 كيلومتر، ويمر بخمس مناطق سعودية هي: الحدود الشمالية وحائل والقصيم والمدينة المنورة ومكة المكرمة.

الأهمية التاريخية وخدمة الحجاج

"درب زبيدة" من أقدم الطرق التاريخية في الجزيرة العربية، ويعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام، إذ كان طريقا تجاريا تستخدمه القوافل، ثم زادت أهميته مع بزوغ فجر الإسلام، وبدأ في الازدهار منذ عهد الخلافة الراشدة، مرورا بالعصر الأموي، إلى أن بلغ ذروة ازدهاره في العصر العباسي الأول (750-1258م).

إعلان

تضمّن الدرب 27 محطة رئيسية ومثلها من المحطات الثانوية، وكانت عبارة عن منازل واستراحات، وكانت تُنصب في منتصف المسافة بين كل محطتين رئيسيتين محطة استراحة ثانوية، تضم مرافق متكاملة وبركا مائية وسدودا وقنوات ومساجد وأسواقا.

حظي درب زبيدة باهتمام واسع من الجغرافيين والرحالة على مر العصور، إذ وثّقوا أهميته وثراءه العمراني، ومن أبرز من كتبوا عنه من المسلمين: ابن خرداذبة وابن رُسته واليعقوبي والمقدسي والحربي وابن جبير وابن بطوطة.

كما زاره عدد من الرحالة الأوروبيين في القرنين الـ20 والـ21، مثل المستكشفة الإنجليزية الليدي آن بلنت والرحالة الفنلندي جورج فالين.

وساعدت البرك والآبار والمواقد الحجرية والمنارات الليلية في تمكين الحجاج من عبور الصحاري والوديان بأمان، في وقت لم تكن فيه وسائل النقل ميسّرة.

من بقايا آثار درب زبيدة التي يسعى العراق والسعودية لتسجيلها في قائمة التراث العالمي (الجزيرة نت)

شكل درب زبيدة محورا للتواصل بين الشعوب والثقافات، إذ جمع حجاجا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، مما عزز التبادل الثقافي والتجاري.

ورغم تراجع استخدام درب زبيدة تدريجيا بعد سقوط بغداد على يد المغول عام 1258م، واندثار العديد من محطاته، إلا أن أثره الحضاري ظل راسخا في الذاكرة الإسلامية، إذ لا تزال العديد من البرك والآبار والمنشآت شاهدة على عبقرية التخطيط الإسلامي وعراقة هذا الطريق التاريخي.

وفي القرنين الـ20 والـ21، حظي الدرب باهتمام متجدد في عهد الدولة السعودية، بدءا من المؤسس الملك عبد العزيز، وصولا إلى الملك سلمان بن عبد العزيز.

الآثار والبنية التحتية

بُنيت قنوات على طريق زبيدة لجمع مياه السيول وتخزينها، وشيدت تلك المنشآت في مواقع مختارة بعناية وفق تضاريس الأرض، مع ترصيف أجزاء من الطريق بالحجارة لتثبيتها في المناطق الرملية والموحلة.

إعلان

تميز درب زبيدة بدقة تخطيطه وهندسته، إذ أنشئت على امتداده محطات رئيسية وثانوية كل 50 كيلومترا تقريبا، إضافة إلى الاستراحات والبرك والآبار والسدود والقصور والمساجد ومنارات في الطريق لإرشاد المسافرين في كل الأوقات.

كشفت الآثار الممتدة على طول هذا الطريق عن وجود محطات ومدن كبيرة كانت مزدهرة، مثل الزُبالة وهي (إحدى المدن التاريخية المهمة على درب زبيدة، وكانت محطة رئيسية للحجاج والمسافرين قديما). والثعلبية وفيد وسميراء النقرة والربذة ومعدن بني سليم.

ومن أبرز ملامح البنية التحتية على هذا الطريق، وجود "الأعلام" الحجرية منذ عهد الخليفة العباسي أبو العباس السفاح، التي كانت تُبنى على هيئة أبراج دائرية بارتفاع نحو ثلاثة أمتار، لإرشاد المسافرين ليلا ونهارا، خاصة في المناطق الوعرة أو متفرعة الطرق.

درب زبيدة سلكته القوافل التجارية قديما والتقت فيه مختلف الحضارات (الجزيرة نت)

وتم توزيعها على مسافات منتظمة تقدر بنحو ميل (قرابة كيلومتر ونصف الكيلومتر)، وكانت المسافات بين الأعلام قريبة، خاصة في الأماكن المهمة كمحطات التزود بالماء أو تقاطع الطرق.

أما البنية المائية، فقد شملت بركا وأحواضا مائية حُفرت وبُنيت بطرق هندسية متقنة لجمع مياه السيول والأمطار. وتنوعت أشكالها بين الدائري والمربع والمستطيل، وزُوّدت بأحواض ترسيب داخلية، ودُعمت جدرانها بأشكال نصف دائرية أو مربعة لتقويته بوجه ضغط المياه.

كما أُنشئت سدود وقنوات لتوجيه المياه من الأودية المجاورة نحو هذه المنشآت المائية، بعضها كان قريبا من المحطات، فيما وُضع البعض الآخر في مواقع نائية لضمان توفر الماء في المناطق البعيدة.

وأظهرت التنقيبات الأثرية في مواقع متعددة، خاصة في مدينتي فيد والربذة، وجود نمط معماري إسلامي مبكر يتمثل في القصور المحصنة والمنازل الواسعة والمساجد والأسواق.

إعلان

تميزت المباني بسماكة الجدران ووجود خزانات مياه تحت الأرضيات، مما يدل على تقدم في فهم الهندسة المعمارية آنذاك.

كما اكتُشفت آثار عدة، مثل الأواني الفخارية والخزفية والزجاجية، والأدوات المعدنية والحجرية والحلي، التي تعكس نمط الحياة على الطريق سابقا.

وعُثر أيضا على أحجار ونقوش تشير إلى عمليات ترميم وصيانة الطريق، تمت في عهد الخلفاء العباسيين، مثل الخليفة المهدي والخليفة المقتدر بالله.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق