كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام" مجموعة جديدة من المشاهد، من وسط العدوان الإسرائيلي المُستمر على قطاع غزة، منها مشهد تحت عنوان: "مراكز المُساعدات الأميركية مسلسل قتل يومي"، ومشهد آخر يرصد وقوع مستشفى ناصر الحكومي على حافة الإخلاء، ما يُهدد بخروجه عن الخدمة، ومشهد ثالث يوثق إخلاء 80% من مساحة القطاع.
مراكز المُساعدات.. قتل يومي
على مدار الأيام السبعة الماضية، لا يمرّ يوم دون أن تقتل قوات الاحتلال وتصيب عشرات الجوعى الذين يحاولون الوصول إلى مقرات الشركة الأميركية لتوزيع المساعدات داخل مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وعلى محور "نتساريم"، وسط القطاع.
وكانت أوسع وأكبر المجازر التي ارتكبت خلال الأسبوع الجاري قرب "مفترق العلم"، غرب رفح، والتي كان آخرها يوم أمس، حيث تعرضت حشود المواطنين الجائعين، للقصف وإطلاق النار، خلال محاولتهم الوصول إلى المركز، ما تسبب بسقوط أكثر من 35 شهيداً، ونحو 150 مصاباً.
وغصت المستشفيات في مناطق جنوب قطاع غزة بالشهداء والجرحى، وبعضهم جاؤوا من مدينة غزة وشمال القطاع، إذ أجبرهم الجوع على قطع عشرات الكيلو مترات، ليصلوا إلى تلك المراكز، لكنهم فقدوا حياتهم جراء تلك المحاولة الخطيرة.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أن قوات الاحتلال ارتكبت مجزرة جديدة قرب مركز "المساعدات الأميركي – الإسرائيلي" في محافظة رفح أمس، أسفر عنها استشهاد وإصابة العشرات من المواطنين الجائعين.
وأوضح "الإعلامي الحكومي"، في بيان، أن حصيلة ضحايا هذه "المراكز" ارتفعت إلى 102 شهيد و490 مصاباً منذ الشروع في تشغيلها بمناطق رفح، وجسر وادي غزة في 27 من شهر أيار الماضي، في إطار مشروع مشبوه يُدار بإشراف الاحتلال، ويُروّج له تحت مسمى "الاستجابة الإنسانية"، بينما يُمارَس فيه القتل على الملأ، وتُرتكب فيه جرائم إبادة جماعية ممنهجة.
وأشار إلى أن ما تُسمى مراكز توزيع "المساعدات"، التي تقام في مناطق حمراء مكشوفة وخطيرة، وخاضعة لسيطرة جيش الاحتلال، تحوّلت إلى مصائد دم جماعية، يُستدرج إليها المدنيون المُجوّعون بفعل المجاعة الخانقة والحصار المشدد، ثم يتم إطلاق النار عليهم عمداً وبدم بارد، في مشهد يختصر خُبث المشروع، ويُعرّي أهدافه الحقيقية.
وأضاف: "لا تخضع هذه النقاط لأي إشراف إنساني مستقل، بل تُدار أمنياً من قبل جيش الاحتلال وشركة أمنية أميركية، ما يجعلها نقاط قتل تحت غطاء إنساني زائف، ويُصنّفها القانون الدولي كمواقع جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وبيّن أن تكرار المجازر في مراكز التوزيع يومياً، وفي وضح النهار، وبأرقام صادمة من الشهداء والمصابين، يكشف للعالم أن ما يجري هو استخدام متعمد للمساعدات كأداة للقتل والتطهير الجماعي، وهو ما يرقى لجريمة إبادة بموجب المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية للعام 1948.
مستشفى ناصر مُهدّد بالتوقف
بعد فترة قصيرة من إخراج مستشفى غزة الأوروبي، وجميع مستشفيات شمال قطاع غزة عن الخدمة، بات مستشفى ناصر، وهو أكبر وأهم مستشفى يعمل في قطاع غزة حالياً، مُهدداً بالتوقف عن العمل والخروج عن الخدمة، بعد صدور أوامر نزوح واسعة في محيطه.
وخلال الساعات الماضية، وسّع الاحتلال رقعة أوامر الإخلاء في محافظة خان يونس، وأصدر أوامر جديدة تشمل 4 مربعات سكنية، تقع وسط وغرب المحافظة، وصولاً إلى محيط مستشفى ناصر، حيث بات يفصل بين حدود الإخلاء الأخير والمستشفى شارع واحد، وهذا جعل المستشفى مهدداً بالخروج عن الخدمة، إما بسبب اجتياح محيطه، أو إغلاق الطرق المؤدية إليه، وهذا يعني كارثة صحية كبيرة.
وتسود حالة من القلق أوساط الأطباء والممرضين والطواقم العاملة في المستشفى، خشية التطورات التي قد تحدث في الأيام المقبلة.
وأكد عاملون في مستشفى ناصر، أن الاحتلال يشن منذ عدة أيام غارات مكثفة، وعمليات قصف مدفعي على مدار الساعة، في محيط المستشفى، وأن بعض القذائف والصواريخ سقطت في محيط المستشفى، عدا تعرض مبانيه وأقسامه للقصف المباشر عدة مرات في الأيام السابقة، ما تسبب بوقوع شهداء وجرحى، بينهم الصحافي الجريح حسن اصليح، الذي كان يُعالج داخل المستشفى.
وأكدت وزارة الصحة في غزة، أن الاحتلال يتعمّد تقويض وخنق المنظومة الصحية من خلال الإخلاءات للمناطق التي توجد بها المستشفيات ومراكز تقديم الرعاية الطبية، موضحة أن الإخلاءات الأخيرة بمحافظة خان يونس تُشكل تهديداً مُباشراً لإخراج مجمع ناصر الطبي عن الخدمة.
وأشارت الوزارة إلى أن مستشفى ناصر الطبي هو الوحيد في جنوب القطاع الذي يضم خدمات تخصصية يتهددها التوقف، وأن عشرات المرضى والجرحى في العناية المركّزة وغرف العمليات والطوارئ، والأطفال في أقسام الحضانة أمام موت محقق في حال خروج المستشفى عن الخدمة.
وفي حال خرج المستشفى عن العمل، لن يتبقى في مناطق جنوب قطاع غزة أي مستشفى، وسيعتمد أكثر من مليون شخص على مستشفيات ميدانية صغيرة، تفتقر للأقسام التخصصية، ولا توجد فيها إمكانات.
وفيما يخص مستشفى غزة الأوروبي، بمحافظة خان يونس، فلا يزال خارج الخدمة تماماً، وتوجد في محيطه آليات عسكرية وجرافات، تنفذ عمليات تجريف وهدم لأسواره، وقد دخل عدد من الجرافات إلى ساحات المستشفى، ونفذت عمليات تجريف وحفر داخل حرم المستشفى.
إخلاء 80% من مساحة القطاع
تفاقمت معاناة المواطنين في قطاع غزة، جراء أوامر الإخلاء الواسعة التي تصدرها قوات الاحتلال في القطاع بشكل متكرر، وشملت مساحات شاسعة من مدن ومحافظات في غزة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية انحصرت أوامر الإخلاء في ثلاث مناطق رئيسة، وهي: جنوب القطاع، وتشمل محافظة رفح بالكامل، وأكثر من 85% من مساحة محافظة خان يونس، إضافة إلى مناطق واسعة شرق وجنوب مدينة غزة، وكامل محافظة شمال القطاع، بما يشمل بلداتها الثلاث الرئيسة: "جباليا ومخيمها، وبيت لاهيا، وبيت حانون"، وصولاً إلى مناطق شمال مدينة غزة.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، أنه مع توسع العدوان الإسرائيلي في قطاع غزة، لم يتبقَ سوى أقل من 18% من مساحة القطاع كمنطقة يُسمح فيها بوجود المدنيين، أما بقية المساحة، فإما تحت سيطرة إسرائيلية مباشرة، أو تعتبر مناطق إخلاء، وتتعرض لقصف متواصل.
وأشار المكتب إلى استمرار النزوح في جميع أنحاء قطاع غزة، حيث نزح نحو 200 ألف شخص خلال الأسبوعين الماضيين فقط.
وشددت الأمم المتحدة على أن الوضع الكارثي في غزة هو الأسوأ منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول 2023، مع استمرار القصف في جميع أنحاء القطاع، لاسيما في الشمال، حيث أُجبر آخر مستشفى يعمل جزئياً على الإخلاء.
وبيّن "أوتشا" أن الخدمات الإنسانية في غزة من أكثر العمليات التي تواجه العراقيل في التاريخ الحديث للاستجابة الإنسانية العالمية في أي مكان، فمنذ آذار الماضي، فرضت سلطات الاحتلال طوقاً محكماً على المساعدات الإنسانية والبضائع، لتسمح في الأسبوعين الماضيين بدخول ما وصفته الأمم المتحدة بـ"نقطة في بحر الاحتياجات" من إمدادات محددة إلى قطاع غزة.
وكانت شبكة "سي إن إن"، الأميركية كشفت مؤخراً في تقرير موسع أن العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة تتجاوز نطاق الرد على هجمات فصائل المقاومة، لتتحول إلى خطة ممنهجة لإعادة هندسة القطاع ديمغرافياً وجغرافياً، عبر التهجير القسري، وتدمير البنية التحتية، بما يهدد وجود السكان الفلسطينيين أنفسهم داخل غزة.
ووفقاً لتقرير الشبكة، الذي استند إلى صور أقمار صناعية حديثة، وشهادات منظمات أممية، فإن ما لا يقل عن 80 بالمئة من مساحة القطاع باتت مناطق عسكرية مغلقة منذ أن خرق جيش الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار في 18 آذار الماضي.
0 تعليق