كتب محمد الجمل:
ما زال الاحتلال يُواصل جرائمه ومجازره في قطاع غزة، ويُصعّد قتل المواطنين، ويفرض النزوح القسري عليهم.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من العدوان المُستمر على قطاع غزة، منها مشهد يرصد اتساع رقعة إخلاء الأحياء والبلدات في القطاع، ومشهد آخر يُوثق مشكلة النقص الكبير في وحدات الدم وما يُشكله ذلك من خطر شديد على حياة المرضى والجرحى، ومشهد ثالث تحت عنوان "ضياع عامين دراسيَّين".
اتساع رقعة الإخلاء
يتوسع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خاصة جنوبه وشماله، ويُواصل الاحتلال إصدار أوامر إخلاء ونزوح جديدة، في تلك المناطق، وقد طالت الأوامر مؤخراً أحياء وبلدات عديدة في محافظة خان يونس، جنوب القطاع، تزيد على 75% من إجمالي مساحة المحافظة.
ومن أهم المناطق التي أنذرها الاحتلال بالإخلاء في خان يونس: القرارة، عبسان الكبيرة، عبسان الصغيرة، بني سهيلا، خزاعة، الفخاري، معن، الشيخ ناصر، البلد، دوار أبو حميد، السطران الشرقي والغربي، المحطة، الكتيبة، حمد، المناطق الجنوبية لخان يونس، جورة اللوت، البطن السمين، قيزان النجار، قيزان أبو رشوان، المنارة، والأوروبي.
وإلى جانب أوامر النزوح الواسعة في خان يونس، سبق ذلك إصدار الاحتلال إنذاراً عاجلاً وأوامر إخلاء إلى سكان شمال القطاع في أحياء: غبن، الشيماء، فدعوس، المنشية، الشيخ زايد، السلاطين، الكرامة، مشروع بيت لاهيا، الزهور، تل الزعتر، النور، عبد الرحمن، النهضة ومعسكر جباليا.
كما يُواصل جيش الاحتلال الضغط على سكان مناطق واسعة جنوب وشمال القطاع، لدفع مَن تبقى منهم إلى الإخلاء، عبر توسيع المجازر، والقصف المدفعي والجوي المتواصل، وكذلك إطلاق النار من المُسيّرات على المنازل.
وتسببت أوامر النزوح، التي وصفت بالأوسع منذ أشهر طويلة، في دفع مئات الآلاف من المواطنين إلى ثلاثة تجمعات رئيسية، هي غرب مدينة غزة، ووسط القطاع، ومواصي خان يونس، بحيث بات 2.3 مليون شخص يتواجدون في مناطق لا تزيد على 25% من إجمالي مساحة قطاع غزة، وهو تكدّس غير مسبوق منذ بداية العدوان.
ووفق العديد من المصادر، فإن جيش الاحتلال يفرض سيطرته الفعلية على ما نسبته 75% من المساحة الجغرافية الكلية لقطاع غزة، سواء من خلال الاجتياح البري المباشر وتمركّز قوات الاحتلال داخل المناطق السكنية والمدنية، أو من خلال سيطرة نارية كثيفة تمنع المواطنين من الوصول إلى منازلهم ومناطقهم وأراضيهم وممتلكاتهم، أو عبر سياسات الإخلاء القسري الجائر، التي تُجبر عشرات الآلاف من السكان المدنيين على النزوح المتكرر تحت التهديد بالقصف والقتل والإبادة.
ونقل موقع القناة الـ12 العبرية عن مسؤول أمني رفيع المستوى، لم يسمّه، قوله: إن "الهدف هو تقليص مساحة غزة".
في السياق ذاته، ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، أمس، أنه في إطار توسيع العملية العسكرية في قطاع غزة، يعتزم الجيش الإسرائيلي السيطرة على ما بين 70% و75% من مساحة القطاع في غضون ثلاثة أشهر.
ووفقاً للخطة، سيقسم جيش الاحتلال القطاع إلى عدة نقاط باستخدام 5 فرق عسكرية، 4 من بينها للهجوم وواحدة للدفاع، كما سيعمل على تطبيق نموذج رفح في جميع المناطق التي تصل إليها قوات الاحتلال.
نقص شديد في وحدات الدم
تُعاني مستشفيات قطاع غزة من نقص شديد في وحدات الدم، وهي ضرورية جداً من أجل إنقاذ حياة الجرحى الذين فقدوا كميات كبيرة من الدم بسبب إصاباتهم الخطرة.
ويومياً تُصدر المستشفيات، وكذلك وزارة الصحة في غزة، استغاثات ونداءات للمواطنين من أجل التبرع بالدم لإنقاذ حياة الجرحى، خاصة أنواع الدم النادرة.
وجراء نقص وحدات الدم، التي منع الاحتلال وصولها من خارج القطاع، يفقد الكثير من الجرحى حياتهم، بعد تعذر توفير الدم اللازم لهم.
وأشار أطباء عاملون في مستشفيات بقطاع غزة إلى أن أزمة وحدات الدم تفاقمت منذ بداية تشديد الحصار مؤخراً، وتدمير مخازن الأدوية، وهذا أدى إلى وقف توريد الدم، وفقد الكثير من الوحدات.
وأكد عاملون في المستشفيات أن مستوى الاستجابة لتوفير وحدات دم انخفض للأسف، وهذا يعود لعدة أسباب، أهمها تردي الأوضاع الصحية لغالبية المواطنين في قطاع غزة بسبب سوء التغذية، ما يجعل أجسامهم غير قادرة على التبرع بالدم، إضافة إلى أن المستعدين للتبرع تبرعوا بوحدات دم خلال فترات قصيرة، ويجب أن يكون هناك فاصل زمني مُحدد بين كل عملية تبرع وأخرى، حفاظاً على صحة وسلامة المُتبرعين.
وفي وقت سابق، أكدت مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في مستشفيات غزة، الدكتورة صوفيا زعرب، أن الوضع بات كارثياً، موضحة أن العدوان أدى إلى ازدياد الإصابات الخطيرة، إلى جانب الحاجة اليومية للدم للمرضى المزمنين مثل مرضى السرطان والثلاسيميا، ورغم جهود الأهالي، فإن ضعف التغذية وانهيار الصحة العامة حوّلا مهمة تأمين الدم إلى معركة شبه خاسرة.
ولفتت إلى أن ضعف مستويات الدم لدى المواطنين أدى إلى قلة أعداد المتبرعين المؤهلين صحياً، ما فاقم الأزمة، في ظل عدم قدرة البنوك على تخزين وحدات الدم لأكثر من 35 يوماً.
وبينت زعرب أن الكارثة الصحية لن تتوقف عند نقص الدم، بل ستمتد لتشمل انهيار النظام الصحي بأكمله إذا استمر الوضع على حاله.
وسبق أن أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة تسجيل 326 حالة وفاة بسبب سوء التغذية، ونقص الدواء، وأكثر من 300 حالة إجهاض، خلال 80 يوماً من الإغلاق والحصار التام الذي يفرضه الاحتلال على القطاع.
ضياع عامين دراسيَّين
ضاع عامان دراسيان كاملان على طلبة قطاع غزة، ما يُنذر بتجهيل جيل كامل، رغم كل المحاولات التي بُذلك لاستئناف التعليم بطرق مُختلفة، وسط مخاوف من احتمال ضياع العام الثالث.
وسعى الاحتلال لإفشال جميع محاولات عودة التعليم في غزة، عبر استهداف خيام استخدمت كفصول تعليمية، وعرقلة محاولات إعادة افتتاح المدارس في القطاع، ومنع إدخال القرطاسية، واستهداف المدارس، وغيرها من الإجراءات.
وأبدى أولياء أمور قلقاً بالغاً على مُستقبل أبنائهم، في ظل استمرار تعطل المسيرة التعليمية، واستمرار الحرب على القطاع، دون وجود أفق واضح لإنهائها.
وقال المواطن محمود عدوان: إن لديه أربعة أبناء، ثلاثة من مراحل دراسية مختلفة في المدارس، وابنة تدرس في الجامعة، موضحاً أن الأخيرة التحقت بنظام التعلم عن بُعد رغم صعوبة تحصيل الإنترنت، لمشاهدة المحاضرات، وإرسال التكاليف، والتقدم للامتحانات.
وذكر عدوان أن أبناءه الباقين لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة منذ عامين، والعام الثاني شارف على الانتهاء، ومستقبلهم بات مُهدداً.
وأوضح أنه ووالدتهم حاولا تدريسهم في الخيمة، وأرسلاهم إلى فصول في المخيمات، وتابعا معهم التعليم الإلكتروني، لكنه لم يشعر بنتيجة تعليم حقيقية، فلا شيء يُضاهي التعليم الوجاهي، والتوجه إلى مقاعد الدراسة.
وشدد على ضرورة العمل من أجل استئناف التعليم بأي طريقة، خاصة للأطفال الصغار الذين لم يلتحقوا بالمدارس، فعشرات الآلاف من الأطفال المفترض أنهم على وشك الترفع للصف الثالث الأساسي، لم يحظوا بأي فرصة تعليم وجاهي حتى الآن.
وأكد المفوض العام لوكالة الغوث "الأونروا"، فيليب لازاريني، أن الفصول الدراسية التي كانت تستقبل الأطفال الآن إما مليئة بالأُسر النازحة وإما دمرت.
وقال: "لقد استُبدلت المقاعد الدراسية بالأسِرّة، وما عاد كثير من المدارس أماكن للتعلم، بل بؤرة لليأس والجوع والمرض والموت".
وذكَّر بأن نصف أطفال المدارس في غزة البالغ عددهم حوالى 600 ألف كانوا يتلقون تعليمهم في مدارس "الأونروا" قبل الحرب الإسرائيلية على القطاع المحاصر.
0 تعليق