هل يمكن تحويل البلدية من جهة تنفيذية إلى إدارة اقتصادية؟ - هرم مصر

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إن التفكير في تغيير النهج العام للجهات الحكومية من جهات تنفيذية ومشرفة على اختصاصات محددة، إلى جهات تتدفق قطاعاتها تأمل أن تتحول نحو الفكر الاقتصادي والتنموي، قادر على أن يقود الدولة لرفع قدرتها على تحقيق الإيرادات بعيداً عن الاعتماد على مصدر دخل وحيد ومتغير كالنفط.

في الآونة الأخيرة، وبإمعان النظر إلى ما تحققه مؤسسة حكومية في الكويت، مثل بلدية الكويت، من تقدّم في الإيرادات، مع معرفة حجم أدوات واقعة بين يديها لم تستغل لارتداء ثوب جديد، يرفع من شأنها ويعزز التدفق الاقتصادي غير النفطي، فإن البلدية تعتبر كنزاً لم يُفتح حتى الآن في واقع المؤسسات الحكومية، لكونها قادرة على تغيير شكل الدولة، لاسيما أنها المختصة بدراسة الصورة العامة والتفصيلية لكل منطقة وشارع وأرض، فهل من الممكن تحويل هذه المؤسسة من جهة تنفيذية مراقبة للرخص فقط، إلى جهة ترفع من الشأن الاقتصادي المحلي؟

عند تصفُّح الحساب الختامي لميزانية البلدية لعام 2025/2024 يلاحظ صعود إيراداتها بتجاوزها 53 مليون دينار عن عام سابق، بما يعادل 10 ملايين في عام واحد، بينما تتوقع أن تصل في ميزانية 2026/2025 إلى 70 مليوناً و959 ألف دينار، الذي أعلنت عنه دراسة مشروع الميزانية، بالرغم من أنها لم تفعّل أدواتها في الحقيقية وتطوير استخدام قطاعاتها المختلفة في اللوائح والإعلانات واستعمالات الأراضي والأنشطة والرخص والنظافة ومشاريع تنموية، وغيرها.

الرسوم الإدارية

وبيّنت أنها ستحصل على 27 مليوناً من إيرادات الإعلانات و10 ملايين من إيرادات رسوم النظافة على الوحدات السكنية، التي يتم تحصيلها عبر وزارة الكهرباء والماء، كما حددت البلدية 49 مليوناً إيرادات على مبيعات السلع والخدمات تشمل الرسوم الإدارية ومبيعات عرضية ومبيعات بالقيمة السوقية، علاوة على 9 ملايين إيرادات الغرامات والجزاءات، ومليون من إزالة المخالفات والمحصلة عن نقل وحراسة السيارات المهملة إلى مواقع البلدية، و200 ألف رسوم المزادات، و700 ألف من إصدار الشهادات، و50 ألفاً من رسوم إدارية للمناقصات والممارسات.

البلدية «كنز» لم يُفتح إلى الآن... وكثير من الدول تحوَّلت بلدياتها لجهات اقتصادية بتبنّي استراتيجيات التنمية الاقتصادية المحلية وجذب الاستثمارات وتنويع مصادر الدخل

كما حددت البلدية 7.8 ملايين دينار لتقديرات قطاع المشاريع للمشاريع الإنشائية الجديدة والصيانة الجذرية، التي انقسمت إلى مشاريع إنشائية لتحسينات على أراض لمبانٍ حكومية، عددها 11 مشروعاً فقط، هي مشروع تأهيل مواقع ردم النفايات المغلقة، ومناقصة تأهيل ومعالجة وتشغيل وصيانة موقع القرين المغلق للنفايات، والإشراف على أعمال مناقصة تأهيل ومعالجة وتشغيل وصيانة موقع القرين المغلق للنفايات، ومشروع إنشاء وتشغيل وصيانة سور وبوابات للدخول والخروج وغطاء أمني والطرق المؤدية لموقع النفايات المغلقة، وإعداد الدراسة والتصميم والإشراف على إنشاء وإنجاز وصيانة مبنى مخفر الشويخ القديم، وأعمال ترميم وصيانة أعمال إنشائية لمباني بلدية محافظة العاصمة، وإعداد الدراسة والتصميم والإشراف لإنشاء وإنجاز وصيانة مبنى فرع الجهراء ومبنى فرع الفروانية، ومشروع تطوير شارع عثمان بن عفان، ومشروع مبنى مواقف للسيارات للبوصرة في منطقة شرق، وإعداد الدراسة والتصميم لإنشاء وإنجاز وصيانة المركز الثقافي الترفيهي (النادي الرياضي بلدية الكويت).

وترى أيضاً الدفع بمشاريع إنشائية جديدة لمبانٍ حكومية، قد تدفع بقليل من جدواها الاقتصادية، مثل مشروع تنفيذ أعمال إنشائية صغيرة، وأعمال ترميم وتطوير وتشغيل وصيانة دروازة العبدالرزاق، ودراسة وتصميم وإشراف على تنفيذ مشروع متحف الإمام عبدالرحمن الفيصل بالمباركية، وتنفيذ سور وبوابات للدخول والخروج والطرق المؤدية إلى مقبرة الصليبيخات والجعفرية، وسور وبوابات لمواقع ردم النفايات الصلبة (مردم السابع، ومردم الجهراء، ومردم ميناء عبدالله)، وإنشاء وصيانة المبنى الإداري بشارع الشهداء، وتنفيذ وصيانة مبنى البلدية في محافظة الأحمدي، ومواقف سيارات متعددة الأدوار لمبنى الإدارة القانونية، وتنفيذ مبنى مواقف سيارات، وإعداد دراسة والتصميم والإشراف والإنشاء والإنجاز لمشروع معالجة ساحل منطقة المسيلة من عمليات النحت والتآكل الممتدة من شاطئ المسيلة إلى شاطئ جسر صباح السالم.

«تحويل» البلدية يستلزم تحديث التشريعات وطرح مشاريع اقتصادية جديدة بالشراكة مع القطاع الخاص وهيئة تشجيع الاستثمار وتطبيق مفهوم المدينة الذكية وفك التشابك في الاختصاصات

يُضاف إليها ما كشفت عنه من مجموعة مشاريع صيانة قيد الطرح خلال ميزانية 2025/ 2026، مثل مشروع تجميل وتطوير وصيانة أعمال المظلات في سوق المباركية، وصيانة أعمال زراعة المنشآت والمرافق العائدة لبلدية الكويت في كل المحافظات، وتجميل وأعمال إنشائية للشواطئ العامة، وأعمال صيانة وترميم الساحات والأسواق والمرافق العامة التابعة لها داخل الكويت، وأعمال تطوير الساحات في محافظتَي العاصمة وحولي.

وبالتأكيد، فإن التفكير الاقتصادي للبلدية، عبر بسط قدرتها على وضع تخصيص في الاستعمالات، بحيث تمكن اختصاصات البلدية من توسيع دائرة الانتقال الاقتصادي يتركز في إعادة النظر لطبيعة الاستعمالات في المناطق، وإعطاء انسيابية وديناميكية لتقسيم الشوارع والمناطق والربط بينها بأنشطة تجذب رؤوس الأموال، في حين تشهد كثير من المناطق تمايزاً في الجذب الاقتصادي عن غيرها، خصوصاً تلك التي تبعُد عن مركز المدينة، التي من الممكن أن تفوق إيراداتها، في حال تم تطويرها واستحداث النظرة لطبيعتها وقُربها من مراكز الحدود، ملايين الدنانير، وقُدرتها على الجذب الاقتصادي لمدن في دول مجاورة.

«بلديات»

وبالنظر إلى كثير من الدول، فقد تحوَّلت بلدياتها إلى جهات اقتصادية، عبر تبنّي استراتيجيات التنمية الاقتصادية المحلية، وجذب الاستثمارات، وتنويع مصادر دخلها، وتطوير بنيتها التحتية الرقمية والمادية لدعم هذا التوجه.

كما حرصت تلك البلديات على وضع رؤى واضحة وتخطيط استراتيجي، وتطوير قُدرات الفرق البلدية في مجالات الاستثمار والتخطيط الاقتصادي، إضافة إلى تعزيز الشراكات مع القطاعين الخاص والمدني لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار والمبادرات الاقتصادية، تتضمَّن تحديد رؤية اقتصادية للمنطقة، وترجمة هذه الرؤية إلى مشاريع ملموسة، وتنظيم ورش عمل مع الجهات المحلية، لتحديد أولويات التطوير.

كما تقوم البلديات بتطوير كفاءة إدارتها، وتوفير البيانات والمعلومات الدقيقة للمستثمرين، وإعداد كوادر وظيفية قادرة على التعامل مع عمليات الاستثمار، علاوة على دفعها باتجاه تنويع مصادر دخلها، لتمويل دورها في التنمية، ويلقي استثمار أموال المنح في تحسين البنية التحتية المادية والرقمية للمجتمع المحلي، إلى جانب بناء القدرات التقنية والمعلوماتية، وتطوير أنظمة الحوسبة والسجلات الإلكترونية، لتسهيل العمليات، وتحسين بيئة الاستثمار، وتفعيل الشراكات مع القطاعين الخاص والمدني لخلق فرص جديدة للتنمية الاقتصادية وتعزيز الخدمات المقدمة، وتدريب وتأهيل الفرق البلدية في مجالات الدراسات الاقتصادية وتخطيط الاستثمار ودراسات الأثر.

ولعلّ العامل المؤثر الأكبر يكمن في أداء البلديات أدواراً جديدة نقلتها من دور مقدم الخدمات إلى دور المستثمر والمطور المبتكر، القادر على ترويج منطقتها لجذب الجهات العامة والخاصة لتمويل ودعم المشاريع المحلية، واستغلال الفرص الاقتصادية المتاحة والاستفادة منها لتعزيز النمو الاقتصادي المحلي.

خطوات

ولا شك في أن تحوّل بلدية الكويت إلى جهة اقتصادية يمكن أن يأتي عبر عدة خطوات، منها تحديث التشريعات والقوانين، وتبسيط الإجراءات، وطرح مشاريع اقتصادية جديدة بالشراكة مع القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار، وتطبيق مفهوم المدينة الذكية لتعزيز بيئة الأعمال، وفك التشابك في الاختصاصات مع جهات حكومية أخرى.

ولتحديث التشريعات والقوانين أهمية قصوى خاصة في آلية البحث الجاري لتعديل قانون البلدية 33 لسنة 2016، ويُعدّ فرصة ذهبية لإعادة النظر في شكل البلدية واختصاصاتها وإعطائها مزيداً من القدرة على تفعيل أدواتها وبسط يدها على الأراضي، كما يتضمن المخطط الهيكلي للدولة أطروحات تدعم طرح تشريعات وقوانين جديدة تهدف إلى تحويل الكويت إلى دولة ذكية، بما يعزز الأنشطة الاقتصادية ويواكب التطورات الحديثة. وعلاوة على ذلك، فإن سعي البلدية إلى تبسيط إجراءات الخدمات البلدية المقدمة للشركات والمستثمرين سيسهم في خلق بيئة أعمال جاذبة ومحفزة للاستثمار، وتنويع استخدام الاستعمالات يما يرفع من قدرة المناطق على زيادة الجانب الاقتصادي في مجالات مختلفة.

وفيما يتعلق بتطبيق مفهوم المدينة الذكية، فذلك سيتطلب دمج التكنولوجيا في الخدمات المقدمة وتبسيط التعاملات، مما ينعكس إيجاباً على النشاط الاقتصادي في البلاد وتعزيز فكرة المناطق التكنولوجية التي تفتقر الكويت لوجودها، كما يمكن للبلدية أن تؤدي دوراً في تشجيع الاستثمار وتوسيع دور القطاع الخاص في المشاريع التنموية والاقتصادية من خلال طرح مشاريع جديدة بالشراكة معه، مما يجذب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية ويدعم النمو الاقتصادي، إضافة إلى حاجة البلدية لعملية التخطيط الهيكلي وجمع بيانات واحتياجات الجهات الحكومية، والتي تُترجم إلى أوراق عمل تتعلق بالاقتصاد والسكن والبيئة، مما يساهم في بناء رؤية اقتصادية متكاملة.

المخطط الهيكلي الرابع

ولعل أكثر عامل مؤثر يدعم نقل توجه البلدية لتصبح ليست جهة تنفيذية بحتة فحسب، بل جهة اقتصادية يستفاد منها لرفع الإيرادات وقائدة محلياً في آن واحد، هو نظرة مشروع المخطط الهيكلي الرابع للدولة 2040، ورؤية الكويت 2035، اللتان - حسب تأكيد قيادات البلدية - تسيران بشكل متوافق ومتكامل، بحيث تعرف رؤية الكويت 2035 بأنها خطة تنموية حكومية شاملة تهدف إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري وثقافي إقليمي جاذب للاستثمار بحلول عام 2035، وأن المخطط الهيكلي الجديد المسؤولة عن تنفيذه البلدية، يدعم تنفيذها، ويمثل وثيقة استراتيجية تعنى بسياسات التمدن والتخطيط العمراني للدولة، وتُعد من قبل بلدية الكويت لتكون المرجع الرئيسي للسياسات العمرانية في البلاد، كما أن لوائح البناء للأنشطة المختلفة تتماشى مع منظومة المخطط الهيكلي 2040، بما يعكس التكامل مع «رؤية الكويت 2035»، من خلال مراعاة مشاريع وخطط الجهات الحكومية المعنية في هذا الشأن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق