فيصل علي
Published On 4/9/20254/9/2025
|آخر تحديث: 09:59 (توقيت مكة)آخر تحديث: 09:59 (توقيت مكة)
في منتصف مايو/أيار الماضي، كان الطبيب الإثيوبي تودروس يباشر عمله في قسم الطوارئ بأحد مستشفيات العاصمة أديس أبابا، حين اقتحم شرطيان الغرفة واقتاداه دون إبداء أسباب، لم يكن ذنبه سوى مشاركته في إضراب للأطباء والعاملين الصحيين احتجاجا على تدني الأجور وسوء ظروف العمل، وهو إضراب سرعان ما صنفته الحكومة بأنه "غير قانوني"، لتبدأ حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات الأطباء.
يقول تودروس للجزيرة "تلك اللحظة شعرت فيها بالعجز والخزي من وطني"، مضيفا أنه قضى أكثر من 3 أسابيع في زنزانة مكتظة، بلا إمكانية للتواصل مع أسرته أو حتى الاستحمام.
مطالب مشروعة
قاد الإضراب "حراك المهنيين الصحيين الإثيوبيين" الذي قدّم في 19 مايو/أيار قائمة من 12 مطلبا، أبرزها زيادة الرواتب وتوفير التأمين الصحي ودعم الترحيل وتحسين بيئة العمل.

ومع تجاهل الحكومة لهذه المطالب، انسحب مئات الأطباء من المستشفيات في مختلف الأقاليم، لكن الرد جاء سريعا وحادا، إذ وثّقت منظمات حقوقية اعتقال 47 طبيبا خلال أيام، ليرتفع العدد لاحقا إلى أكثر من 140، قبل أن يُفرج عنهم جميعا بعد وعود حكومية بمعالجة القضايا المطروحة دون التزام زمني أو خطوات ملموسة.
ودعت مديرة قسم القرن الأفريقي في هيومن رايتس ووتش ليتيسيا بدر، السلطات إلى "وقف مضايقة واعتقال العاملين الصحيين، والانخراط في حوار جاد معهم"، بالمقابل، اتهمت الشرطة الفدرالية الأطباء المضربين بـ"تعريض حياة المرضى للخطر".
أجور متدنية ومعيشة خانقة
وفق بيانات البنك الدولي، يتقاضى بعض الأطباء في إثيوبيا ما لا يتجاوز 60 دولارا شهريا، مقارنة بنحو 1800 دولار في كينيا المجاورة.

ويؤكد أطباء أن رواتبهم لا تكاد تكفي لدفع الإيجار، مما يدفع بعضهم للعمل في وظائف إضافية مثل الصيدليات أو قيادة سيارات الأجرة، كما تفاقمت الأزمة مع التضخم الحاد وانهيار قيمة العملة المحلية (البِرّ)، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا وحرب تيغراي التي كبّدت الاقتصاد خسائر هائلة.
إعلان
وفي ظل هذه الظروف، يعمل الأطباء في نوبات قد تصل إلى 30 ساعة متواصلة، وسط نقص حاد في الكوادر والمعدات.
جذور الأزمة
تعود جذور المشكلة إلى سياسة "الإغراق" التي تبنتها الحكومة مطلع الألفية لزيادة أعداد الأطباء، فارتفع عددهم بنسبة 851% خلال عقد واحد، لكن هذا التوسع الكمي لم يواكبه تحسن في الرواتب أو بيئة العمل، مما جعل المهنة أقل جذبا، ودفع كثيرين إلى الهجرة أو ترك المجال الطبي.
ويرى الباحث الإثيوبي مولوجيتا جبرهيوت أن الحكومة انصرفت إلى "مشاريع بنية تحتية استعراضية" بدل الاستثمار في تحسين الخدمات الصحية، وهو ما انعكس سلبا على القطاع.
هجرة العقول وتدني المعنويات
خلال الإضراب الأخير، غادر بعض الأطباء البلاد خوفا من الاعتقال، في حين ترك آخرون المهنة نهائيا، ومن بين أبرز المعتقلين الطبيب دانيال فنتانه، المتخصص في أمراض النساء والتوليد، الذي اعتُبر رمزا للحراك قبل الإفراج عنه بعد 27 يوما من الاحتجاز.
وقد أظهرت دراسات حديثة أن أكثر من نصف الأطباء الإثيوبيين غير راضين عن وظائفهم، وأن 6 من كل 10 يفكرون في ترك العمل.
ورغم زيادة موازنة الصحة إلى 8.3% من الإنفاق العام، فإن قيمتها الحقيقية تراجعت بفعل التضخم، وبقيت دون الهدف الأفريقي المتمثل في 15%.
مستقبل غامض
رغم لقاء رئيس الوزراء آبي أحمد بمجموعة من العاملين الصحيين في يونيو/حزيران، وإقراره بصعوبة أوضاعهم، فإنه هاجم المضربين واصفا بعضهم بـ"السياسيين في المعاطف البيضاء".

اليوم، يترقب الأطباء رد الحكومة على التزاماتها، في حين يواصل موقع "صوت الصحة" الذي أطلقه الحراك عدّادا تنازليا للمهلة الممنوحة قبل العودة إلى الإضراب.
وكما يقول الطبيب داجوامي -الذي غادر إلى الولايات المتحدة– "الأطباء شغوفون بعملهم ولا يريدون تركه، لكن هذه الظروف تجعل الحياة صعبة وتعرض المرضى للخطر".
* تم تغيير بعض الأسماء بناءً على طلب أصحابها لحمايتهم.
0 تعليق