ورد إلى الدكتور عطية لاشين، أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، سؤال من أحد المتابعين جاء فيه:
"أثناء قيامي بالوضوء انقطعت المياه بعد أن غسلت وجهي ويدي، وبعد خمس دقائق أو عشر عادت المياه، فهل أتوضأ من جديد أو أغسل فقط رجلي بعد أن أمسح على رأسي؟".
وأجاب د. لاشين قائلاً:
الحمد لله رب العالمين القائل في الكتاب الحميد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ فَٱغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ "، والصلاة والسلام على من قال: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ".
فإن الذي انقطعت عنه المياه أثناء وضوئه بعد أن غسل بعض الأعضاء، ولم يغسل البعض الآخر، ثم جاءت المياه بفضل الله بعد فترة، ويسأل هل يعيد غسل الأعضاء التي غسلها قبل انقطاع المياه فيتوضأ وضوءاً كاملاً، أو يقتصر على غسل ما لم يغسل من الأعضاء قبل انقطاع المياه؟ نقول له ولكل من كان في حالة مثل حالته
إن الإجابة على هذا السؤال تتصل اتصالاً مباشراً بالكلام عن الموالاة في الوضوء، والموالاة تعني متابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها فاصل يعتد به عرفاً.
فهل الموالاة بهذا المعنى واجبة في الوضوء لا يصح إلا بها، أو أنها أمر على سبيل الندب والاستحباب، وأن المترتب على عدم تحققها حرمان المسلم من ثواب تحصيل هذه السنة بينما يبقى بنيان الوضوء سليماً صحيحاً غير مهدد بالنقض والزوال؟
وللفقهاء رأيان في هذه المسألة
الرأي الأول: يرى أن عدم انشغال المتوضئ بين أفعال الوضوء بعمل ليس منه أمر واجب، أي أن عدم الفصل بين غسل الأعضاء شرط لصحة الوضوء؛ مستدلين على ذلك بما رواه أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي، وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي أن يعيد الوضوء والصلاة. فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر في هذا الحديث من ترك الموالاة بإعادة الوضوء والصلاة، ولو كانت الموالاة غير واجبة لأمره بغسل قدميه فقط ثم إعادة الصلاة.
الرأي الثاني: يرى أن الموالاة بين أعضاء الوضوء في غسلها ليس بالأمر الواجب، بل هو مسنون، مستدلين على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "ارجع فأحسن وضوءك".
فقد أمر من ترك الموالاة بالإحسان ولم يأمره بالإعادة، مما يدل على عدم وجوب الموالاة.
إلا أنه قد يجاب عن هذا الاستدلال بأن الإحسان في هذا الحديث يحمل على الإعادة الواردة في الحديث الآخر.
ومن ثم رجح د. عطية لاشين الرأي القائل بوجوب الموالاة وعدم الفصل بين أعضاء الوضوء أثناء غسلها، حيث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه، ولا عمن حكى وضوءه من الصحابة، أنه لم يوال في الغسل بين أعضاء الوضوء أو يفصل بينها في الغسل.
وبناءً عليه، أفتى د. لاشين السائل قائلاً: "إذا عادت نعمة الله بعد انقطاعها، فالواجب عليك إعادة ما غسلت من الأعضاء قبل الانقطاع، فتتوضأ وضوءاً كاملاً غير فاصل بين أعضائه من الغسل".
0 تعليق