في قمة شنغهاي.. رسائل موسكو وبكين تربك الغرب وترامب - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مشهد يعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة، وجّه الرئيسان الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون انتقادات لاذعة إلى الغرب، محمّلينه مسؤولية التصعيد في أوكرانيا، ومؤكدين أن العالم بحاجة إلى نظام عالمي "عادل ومتعدد الأقطاب".

الرسائل التي خرجت من القمة لم تقتصر على انتقادات مباشرة، بل حملت دلالات أعمق تشير إلى تكريس واقع جديد لتحالف شرقي آخذ في الاتساع والتأثير على الساحة الدولية.

فبين دعوة الصين إلى نظام اقتصادي يقوم على التعاون بعيداً عن "الهيمنة الغربية"، وتأكيد روسيا على أن الغرب هو من دفع بأوكرانيا نحو صدام مفتوح، بدا وكأن قمة شنغهاي تتحول إلى منصة مضادة للغرب وسياساته، وهو ما أغضب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي ترى في مثل هذه الاصطفافات تهديداً مباشراً لدورها القيادي في العالم.

شي وبوتين.. تحالف تتعاظم قوته

الرئيس الصيني شي جين بينغ شدد خلال كلمته على ضرورة بناء نظام عالمي جديد "متعدد الأقطاب" يوازن بين النفوذ السياسي والاقتصادي، ويمنح الدول الناشئة فرصة أكبر للتأثير.

في المقابل، حمّل بوتين الغرب مسؤولية اندلاع الحرب في أوكرانيا، مشيراً إلى أن محاولات "جر كييف نحو حلف الناتو" كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الأزمة.

هذا التلاقي بين الموقفين الروسي والصيني يعكس رؤية مشتركة تقوم على رفض الهيمنة الغربية، وتأكيد الحاجة إلى إعادة تشكيل موازين القوى بما يتناسب مع التحولات الجيوسياسية والاقتصادية الجارية.

النظام العالمي الجديد.. حلم مؤجل؟

أوضح الأستاذ الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية حسان القبي، في حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، أن فكرة "النظام العالمي متعدد الأقطاب" ليست جديدة، بل طُرحت منذ سنوات، وتحديداً مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. غير أن التطورات الأخيرة، وخاصة الحرب الروسية في أوكرانيا، أعادت هذه الفكرة إلى الواجهة.

شدد القبي خلال حديثه على أن هذا النظام ما زال بعيد المنال، قائلا إن "عودة ترامب، واصطفاف أوروبا خلف الولايات المتحدة، إلى جانب العقوبات الاقتصادية والرسوم الجمركية، كلها عوامل تؤكد استمرار الهيمنة الأميركية". لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن "الصدام بين معسكر غربي ومعسكر شرقي يبدو أقرب من أي وقت مضى".

أوروبا بين التبعية والخيارات الصعبة

من أبرز النقاط التي أثارها القبي هي الدور الأوروبي في هذا الاصطفاف الدولي. فبرأيه، "أوروبا اصطفت بشكل كامل خلف الولايات المتحدة، وألمانيا تنازلت عن الكثير في سبيل هذا الموقف".

وأضاف أن حتى الدول التي تعتبر حليفة لواشنطن مثل الهند لم تسلم من العقوبات الأميركية، رغم أنها شريك عسكري واقتصادي مهم.

هذا التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، بحسب القبي، تجعل من الصعب تصور استقلالية القرار الأوروبي في مواجهة التحالف الشرقي، خاصة في ظل الأزمات الداخلية والاقتصادية التي تعصف بالقارة العجوز.

الهند.. بين واشنطن وموسكو

برزت الهند كحالة خاصة في هذه المعادلة الدولية. فبالرغم من تحالفها العسكري مع الولايات المتحدة واعتمادها الكبير على السلاح الأميركي، فإنها لم تتردد في العودة إلى شراء النفط والغاز الروسي بأسعار مرتفعة، متحدية العقوبات الأميركية.

اعتبر القبي أن "الهند، ومعها الصين، تمثلان قوة ديموغرافية واقتصادية هائلة، إذ يتجاوز عدد سكانهما معاً 2.8 مليار نسمة، أي أكثر من نصف سكان العالم". ورغم التباينات السياسية بين نيودلهي وبكين، فإن المصالح الاقتصادية المشتركة دفعت نحو نوع من الالتقاء الذي لا يمكن لواشنطن تجاهله.

روسيا.. الامتحان لم يأتِ بعد

رغم الدور الروسي الكبير في أوكرانيا، يرى القبي أن موسكو "لم تدخل الاختبار الحقيقي بعد"، معتبراً أن الأداء الروسي في سوريا مثلاً كشف عن نقاط ضعف عدة وأثار انتقادات واسعة. وبرأيه، فإن "الامتحان الأكبر لروسيا لم يأتِ بعد"، وأن العالم يترقب كيفية تصرفها في مواجهة مباشرة مع الغرب، في حال اندلاع حرب واسعة.

إشارات مقلقة من أوروبا

واحدة من النقاط المثيرة التي أشار إليها القبي تتعلق بتصريحات وزيرة الصحة الفرنسية مؤخراً، التي تحدثت عن "إعداد المستشفيات الفرنسية لاستقبال جرحى حرب واسعة في أوروبا بحلول مارس 2026".

هذه التصريحات، كما يقول، تكشف عن إدراك أوروبي لحتمية المواجهة المقبلة، وتجعل الحديث عن "صدام مفتوح" بين الشرق والغرب أقرب إلى الواقع.

ترامب بين ضغوط الداخل ونداءات الخارج

لم يغب اسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التحليل. فالقبي أشار إلى محاولات بعض القادة، مثل نتنياهو وماكرون، "جرّ ترامب إلى حروب جديدة"، سواء مع الحوثيين في اليمن أو مع روسيا. لكنه في الوقت نفسه حذّر من أن العالم يقف اليوم أمام "كتلة نار ملتهبة"، إما أن تنفجر بصدام واسع، أو أن تجد طريقها نحو انفراج سياسي واقتصادي.

القبي وصف المشهد الدولي بأنه "تحكمه أكثر من شخصية متهورة".

أوروبا والبحث عن "مظلة نووية"

من التطورات اللافتة التي سلط القبي الضوء عليها هو التوجه الفرنسي نحو بريطانيا من أجل صياغة "عقيدة نووية أوروبية جديدة"، في ظل المخاوف المتصاعدة من روسيا.

وأشار إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسعى إلى استعادة "نهج تشرشل" خلال الحرب العالمية الثانية، حين جرّ الولايات المتحدة إلى المواجهة مع ألمانيا النازية.

وبحسب القبي، فإن هذه العقيدة قد ترى النور في غضون ثلاث سنوات، وستكون موجهة بشكل مباشر ضد روسيا، ما يعكس حجم القلق الأوروبي من مآلات الصراع الحالي.

القبي ختم مداخلته بمقاربة رمزية، حين قال إن ما يجري في أوكرانيا يشبه بناء "جدار برلين جديد"، يعيد تقسيم العالم إلى معسكرين متقابلين. فبعد أكثر من 3 عقود على سقوط الجدار القديم، يبدو أن العالم يعود إلى منطق الانقسام ذاته، ولكن بظروف ومعطيات جديدة أكثر تعقيداً.

عالم على فوهة بركان

قمة شنغهاي لم تكن مجرد اجتماع دوري، بل جسدت لحظة مفصلية في تشكل تحالف شرقي يرفض الهيمنة الغربية، ويطرح نفسه كبديل في السياسة والاقتصاد والأمن. غير أن الطريق نحو "النظام العالمي المتعدد الأقطاب" ما زال محفوفاً بالعقبات، في ظل استمرار التفوق الأميركي العسكري والاقتصادي، والاصطفاف الأوروبي الواضح خلف واشنطن.

لكن في المقابل، فإن التقاء المصالح الروسية والصينية والهندية، إلى جانب حالة الغضب المتنامية من السياسات الأميركية، يشير إلى أن العالم يتجه بالفعل نحو إعادة تشكيل موازين القوى. وبين احتمالي "الانفراج السياسي" أو "الانفجار الكبير"، يبقى السؤال مطروحاً: هل نحن أمام لحظة ولادة نظام عالمي جديد، أم أمام نسخة أكثر خطورة من الحرب الباردة؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق