أزمة داخل الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان
لأول مرة.. ندب طبيب عظام للإشراف على الإدارة المركزية للصحة النفسية
«المصرى للحقوق الاجتماعية»: رفع أسعار الخدمات يخالف الدستور
«مصيرنا واحد»: القرارات الأخيرة تفتح الباب أمام أزمة اجتماعية وإنسانية
أزمة شهدتها الأمانة العامة للصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة والسكان، خلال الأيام الماضية، أدت إلى قيام البعض بتوجيه نداء إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي للتدخل لإنقاذ قطاع الصحة النفسية، بالإضافة إلى تحريك دعوى قضائية لإلغاء قرار وزير الصحة والسكان.
البداية
بدأت الأزمة بعد ما كشفت «الأسبوع» عن تفاصيل قرار وزير الصحة والسكان رقم 22 لعام 2025، الخاص بتعديل كافة أسعار الخدمات الطبية المقدمة للمريض النفسي والإدمان بمستشفيات الصحة النفسية الحكومية، بدءًا من تذكرة الدخول ومرورًا بالإقامة في المستشفى، وحتى صرف الأدوية وإجراء التحاليل اللازمة للمرضى.

وجاءت ردود الأفعال متتالية، حيث أعلن الدكتور أحمد حسين مدير رعاية حقوق المرضى سابقًا بالأمانة العامة للصحة النفسية، عن تحريك دعوى قضائية ضد القرار والمطالبة بإلغائه.
موضحًا أن اللائحة المالية والإدارية لمستشفيات الصحة النفسية الحكومية، الصادرة بقرار وزير الصحة، تم تطبيقها أول الشهر الجاري، ووصلت تكاليف الإقامة فقط بالمستشفيات إلى 16 ألف جنيه بخلاف الفحوصات الطبية والعلاج.
وأكد أن ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة بمستشفيات الصحة النفسية سيؤدي إلى عزوف المرضى عن العلاج في ظل ارتفاع نسب الإدمان، ومعاناة 25% من السكان من أعراض نفسية، الأمر الذي يمثل تهديدًا حقيقيًا للمجتمع بأكمله.
دعوى قضائية
من جانبه أعلن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن تحريك الدعوى القضائية رقم 86235 لسنة 79 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بالقاهرة- وكلاء عن عدد من المتضررين من أوصياء، وأولياء أمور عدد من المرضى، إلى جانب مختصين ومهتمين بمجال الطب النفسي بشأن قرار الوزير رفع تكاليف الرعاية والعلاج بمستشفيات الصحة النفسية.
وطالب المركز في دعواه بوقف تنفيذ، وإلغاء قرار وزير الصحة رقم 220 لسنة 2025، فيما تضمنه من قوائم أسعار مستحدثة، وما يترتب على ذلك من آثار، أهمها العودة للعمل بالأسعار السابقة قبل صدور القرار، وعدم فرض أي قيود مالية مجحفة على علاج المرضى النفسيين ورعايتهم وإقامتهم، بما في ذلك الأوصياء عليهم، والقائمين على رعايتهم بمستشفيات الصحة النفسية وعلاج الإدمان التابعة للأمانة العامة.
وقالت الدعوى: إن حالات المدعين تجسد الأثر المباشر للقرار، حيث إن المدعي الأول، عامل يومية (نجار) تجاوز عمره 64 عامًا، يرعى نجله المصاب بالفصام والبالغ من العمر 40 عامًا، وكان يتردد بانتظام على مستشفى العباسية للصحة النفسية لتوفير العلاج والرعاية الصحية لنجله، وسبق أن أودع نجله بالمستشفى قرابة 18 شهرًا، كان يسدد خلالها 1800 جنيه شهريًا، حتى يسمح بخروجه لتلقي العلاج بالعيادات الخارجية.
ومع تفاقم حالته الصحية، واعتدائه على والده بمحاولة إلقائه من الطابق السادس، تم إيداعه بالمستشفى منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، ويطالب المستشفى الأب بسداد مبلغ 5400 جنيه شهريًا نظير إقامة نجله، وهو مبلغ يفوق قدراته المادية، إذ لا يستطيع تغطية هذا العبء المالي بما يتجاوز الشريحة الأولى التي تبدأ من 1800 جنيه إلى أعلى شريحة تصل إلى 11 ألف جنيه شهريًا.
أما المدعية الثانية فهي وصية على شقيقها المودع بمستشفى العباسية منذ أكثر من عامين ونصف، حيث تتحمل أعباء رعايته وسداد مبالغ نقدية بـ«كانتين» المستشفى لمأكله ومشربه، بالإضافة إلى 1800 جنيه شهريًا تكاليف إقامة، لكنها فوجئت بمطالبة المستشفى بسداد 5400 جنيه شهريًا للإقامة فقط، بخلاف مصاريف الأكل والعلاج، وهو ما يفوق استطاعتها المادية.
وأكد المركز فى دعواه أن العلاج النفسي لا يقل أهمية عن العلاج العضوي، بل يعتبر جزءًا أساسيًا من الصحة المتكاملة، إذ يساعد على حل اضطرابات القلق والرهاب والوسواس القهري، والحد من اضطرابات المزاج لدى مرضى الاكتئاب والفصام.
كما يمنح المريض القدرة على فهم مشاعره، والتأقلم مع الأوضاع بطريقة صحية، والشعور بالتحسن تجاه حياته وحياة الآخرين المحيطين به، كما أن مريض الذهان، وهو حالة يفقد فيها الشخص التمييز بين الحقيقة والخيال، ويعاني من أوهام وسماع أصوات ورؤية أشياء غير موجودة، يشكل خطرًا على نفسه، ومن حوله، وتشير الأبحاث إلى أن نسبة مرضى الفصام عالميًا تبلغ 1% من السكان، أي أن مصر بها أكثر من مليون مريض فصام، بخلاف مرضى الاضطرابات الأخرى والإدمان، ما يجعل توفير الرعاية لهم واجبًا وطنيًا عاجلًا.
وأشار المركز إلى أن تاريخ العلاج النفسي في مصر يمتد إلى عصور قديمة، حيث كانت هناك محاولات لفهم وعلاج الأمراض النفسية مع تطور ملحوظ عبر العصور، وظهور ممارسات طبية ونفسية متنوعة.
ففي العصر القديم ذكرت بعض البرديات المصرية القديمة مثل بردية «إيبرس» إشارات إلى تأثير العقل والقلب على الحالات النفسية، وتم استخدام العلاجات الجسدية والتعاويذ، بينما كانت المعابد الدينية أماكن لعلاج الحالات النفسية.
وفي العصر الإسلامي، اهتم العلماء المسلمون بدراسة الأمراض النفسية وتشخيصها وعلاجها، وتمت ترجمة العديد من الكتب الطبية اليونانية إلى العربية، وإنشاء مستشفيات خاصة بالأمراض النفسية، مثل مستشفى قلاوون، باتباع نهج شامل يجمع بين العلاجات الروحية والجسدية والنفسية.
وفي العصر الحديث، شهدت مصر تطورًا كبيرًا في مجال العلاج النفسي، مع إنشاء أول مستشفى متخصص للأمراض النفسية (مستشفى العباسية) عام 1883، ثم مستشفى بهمان عام 1940، والأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان عام 1997، التي تشرف على عدد من المستشفيات والمراكز المتخصصة.
أزمة اجتماعية كبيرة
وأوضح المركز أن الآثار المتوقعة من تنفيذ القرار تشير إلى واقع مقلق، حيث يمكن أن يُترك المريض المحتجز بدون رعاية، معرضًا نفسه، ومن حوله للخطر، أو أن يتخلى ذووه عنه بسبب الأعباء المالية، ما يؤدي إلى زيادة حالات الانتحار، ارتفاع معدل الجريمة، ضغط إضافي على أقسام الطوارئ، تحميل الشرطة أعباء إضافية، وزيادة عدد المرضى في الشوارع، مع تكبد الأسر خسائر اقتصادية فادحة، وتحويل العلاج النفسي إلى رفاهية لا يستطيع معظم المواطنين تحمّلها.
وأشار المركز إلى أن المشرع الدستوري كفل الحق في الرعاية الصحية للمواطنين كحق أصيل، وألزم الدولة بتقديم الرعاية الصحية المتكاملة وفق معايير الجودة، وحماية مرافق الخدمات الصحية العامة ودعمها، مع تخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وقال المركز فى دعواه: لقد أكدت المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن لكل فرد الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية، وأن الرعاية النفسية جزء لا يتجزأ من الصحة العامة، ونص القضاء المصري على ذلك في حكم المحكمة الإدارية العليا عام 2020، مؤكدًا أن المريض النفسي له حقوق جوهرية أهمها عدم إفشاء ملفه الطبي، وأن الهدف من العلاج النفسي هو إعادة المريض للمجتمع ليعيش حياة منتجة، وأن مصر كانت من أوائل الدول التي قننت رعاية الصحة النفسية منذ عام 1944، مع الالتزام بتطبيق وثيقة الأمم المتحدة لحماية المصابين بعلل نفسية، وتحويل نموذج العلاج من العزل إلى الرعاية المفتوحة، وإعادة الدمج الاجتماعي، مع فرض الغرامة على من يخالف حقوق المريض النفسي.
وشدد المركز في دعواه على أن القرار المطعون عليه لا يمثل مجرد تعديل مالي، بل مساسًا مباشرًا بحقوق المواطنين الدستورية والدولية، وتهديدًا للسلم الاجتماعي، مما يحتم على القضاء التدخل لوقف تنفيذه، وإلغائه، وحماية حق المرضى في الرعاية الصحية النفسية، وضمان أمن المجتمع، واستقرار الأسر المتضررة.
أزمة داخل الأمانة العامة للصحة النفسية
لم يكن قرار وزير الصحة والسكان بتعديل اللائحة المالية والإدارية داخل الأمانة العامة للصحة النفسية فقط، ما أحدث أزمة داخل مستشفيات الصحة النفسية، وإنما أصدر الدكتور خالد عبد الغفار قرارًا آخر ينص على: «ندب الطبيب أيمن محمد عباس للعمل بالإدارة المركزية للصحة النفسية، ويكلف بتسيير أعمال الإدارة لمدة ثلاثة أشهر أو لحين الانتهاء من الإجراءات القانونية اللازمة لشغل الوظيفة، أي الأجلين أقرب».

قبل قرار الندب والإعلان عنه بساعة واحدة فقط، أصدرت وزارة الصحة بيانًا إعلاميًا عن إنجازات صحة المرأة، وتعزيز الدعم النفسي للسيدات في جميع أنحاء الجمهورية.
وذكر البيان الإعلامي تصريحًا على لسان الدكتورة وسام أبو الفتوح، وهي الأمين العام للصحة النفسية أعلنت فيه عن تقديم خدمات الصحة النفسية عبر مستشفيات، ومراكز الأمانة المنتشرة على مستوى الجمهورية، وتشمل هذه الخدمات رصد وتوثيق حالات العنف الاجتماعي، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للسيدات المترددات على العيادات.
وقالت: إن الوحدات الصحية استقبلت خلال الفترة المذكورة 14، 170 حالة، منها 3، 254 حالة جديدة، مع تسجيل 184 حالة عنف ضد المرأة في 21 مستشفى ومركزًا تابعًا للأمانة.. وتعمل هذه الوحدات على مدار أيام الأسبوع، بفرق طبية ونفسية واجتماعية متخصصة، تقدم خدمات مجانية تشمل التقييم النفسي، الاستشارات الأسرية، والتعامل مع حالات العنف، وذلك ضمن استراتيجية دمج خدمات الصحة النفسية في الرعاية الأولية.
وأكدت الدكتورة وسام أبو الفتوح أن هذه الجهود تأتي في إطار رؤية الدولة لدعم صحة المرأة النفسية، وتمكينها من الحصول على خدمات علاجية وتأهيلية شاملة، مما يسهم في تحسين جودة حياتها واستقرار الأسرة والمجتمع.
استقالة
تصريح الأمين العام للصحة النفسية الدكتورة وسام أبو الفتوح جاء عقب قيامها بإرسال خطاب في 5 أغسطس إلى الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء، وزير الصحة والسكان، أى عقب تطبيق اللائحة المالية والإدارية للخدمات بمستشفيات الصحة النفسية، تطالب فيه بإعفائها من منصبها نظرًا لما تمر به من ظروف صحية طارئة.

وطبقًا للخطاب، الذي حصلت «الأسبوع» على نسخة منه، قام الدكتور بيتر وجيه مساعد وزير الصحة للطب العلاجي بالموافقة على طلب الإعفاء والاستقالة في 7 أغسطس، أي عقب يومين فقط من طلبها.
رفض القرار
حالة من الغضب والرفض حدثت داخل مستشفيات الصحة النفسية، عقب قرار الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان بندب الدكتور أيمن عباس للعمل بالإدارة المركزية للصحة النفسية.
وقال الرافضون للقرار: إن الدكتور أيمن عباس كان قد صدر بحقه قرار من محافظ الفيوم الدكتور أحمد الأنصاري بوقفه عن العمل، وإحالته للتحقيق، وذلك أثناء توليه منصب وكيل الوزارة بالمحافظة.
ليس ذلك فقط، بل قال الرافضون: إن الدكتور أيمن عباس هو طبيب عظام وليس طبيبًا نفسيًا، وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يترأس فيها الأمانة، أو الإدارة المركزية تخصص آخر غير تخصص الطب النفسي وعلاج الإدمان.
في سياق متصل ناشدت حملة «مصيرنا واحد» الرئيس عبد الفتاح السيسي بسرعة التدخل لإنقاذ ملف قطاع الصحة النفسية والإدمان في مصر.
وأوضحت الحملة أنه خلال الآونة الأخيرة صدرت عدة قرارات متعاقبة، أدت إلى عدم استقرار العمل الفني والإداري في مستشفيات الصحة النفسية الحكومية، وانعكست بالسلب على تقديم خدماتها للمرضى.
وقالت الحملة في بيان لها: فوجئنا بصدور بيان إعلامي من وزارة الصحة والسكان، يتضمن قرارًا بندب الطبيب أيمن محمد عباس لتسيير أعمال الإدارة المركزية للصحة النفسية، وذلك بعد مرور شهر واحد فقط من توليه مدير مديرية الصحة والسكان بمحافظة الفيوم، بموجب قرار وزير الصحة رقم 230 في 27 يوليو الماضى.
وأوضحت أنه في ذات التوقيت تم تداول منشور لقرار محافظ الفيوم يحمل رقم 447 بتاريخ 27 أغسطس، يتضمن وقف الطبيب المذكور عن العمل لحين انتهاء التحقيقات معه، ولم يتسن التأكد من صحته.

وأضافت حملة «مصيرنا واحد»: أنه سبق وفوجئ العاملون بقطاع الصحة النفسية بتعديل مسمى الأمانة العامة للصحة النفسية إلى الإدارة المركزية، ما يعني إداريًا نقل تبعيتها من الإشراف المباشر لوزير الصحة إلى قطاع الطب العلاجي.
وعلى أثر ذلك كان قرار وزير الصحة 198 في 30 يونيو الماضي بتكليف مساعد الوزير للطب العلاجي بتولي الإشراف العام على أعمال الإدارة المركزية للصحة النفسية، وكذلك المجلس القومي للصحة النفسية.
وأشارت الحملة إلى أن هذه القرارات أدت إلى تخبط فني، وإداري في مستشفيات الصحة النفسية واستياء جموع العاملين بها، انعكست سلبياته سريعًا على المرضى وذويهم، في تعارض مع توجيهات رئيس الجمهورية المتكررة للحكومة بإعطاء اهتمام خاص بخدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان.
كما أشارت إلى أنه في وقت تضاعف الدول من الاهتمام بالإنفاق على علاج الأمراض النفسية والإدمان لما له من أبعاد اجتماعية واقتصادية على المجتمعات، تصدر في مصر قرارات أدت إلى هبوط مستوى الخدمات المقدمة في هذا القطاع، في الوقت الذي ازدادت فيه معدلات المرض النفسي والإدمان.
وشددت على أن حقل الطب النفسي في مصر به العديد من الكفاءات والخبرات الفنية والإدارية القادرة على قيادة قطاع الصحة النفسية والنهوض به وتطويره، مستنكرة إسناد إدارته إلى أطباء غير متخصصين في الطب النفسي، ولا يملكون أي خبرات فنية أو إدارية في هذا المجال.
واستشهدت الحملة بفترة زمنية شهدت تطورًا ملموسًا في مستشفيات الصحة النفسية الحكومية، ما بين عامي 2005 و2017، وتخللها إصدار قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 عام 2009.
اقرأ أيضاً
بروتوكول تعاون بين «الأمانة العامة للصحة النفسية» وبرنامج «التحرر من الإدمان والإيدز»نائب وزير الصحة يتابع خطة تحسين الخدمات بمستشفيات الصحة النفسية
وكيل الأزهر يستقبل أمين عام الأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان
0 تعليق