غزة بلا تعليم للعام الثالث والأمية تهدد طلبة المرحلة الأساسية - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غزة- لولا الحرب لكانت الطفلة "ناي" على مقعد الدراسة في الصف الأول الابتدائي، لكنها اليوم نازحة مشردة مع أسرتها المكونة من 4 أفراد في خيمة بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

ولا تعرف ناي المسارعي (6 أعوام) عن المدرسة شيئا سوى أنها "مركز إيواء" قضت فيها شهورا في مدينة رفح جنوب القطاع، عندما نزحت وأسرتها في الأسبوع الأول من اندلاع الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، من منزلها في مخيم جباليا للاجئين في شماله، واضطرت عشية اجتياح المدينة لمغادرتها نحو مدينة دير البلح.

وكانت ناي آنذاك في الرابعة من عمرها، ونتيجة تداعيات الحرب والنزوح تقول والدتها نيرمين يحيى (27 عاما) -للجزيرة نت- إنها لم تتح لها فرصة تسجيلها في روضة أطفال لتعلم أبجديات القراءة والكتابة.

مصير مجهول

وتوشك المدارس في الأراضي الفلسطينية المحتلة على فتح أبوابها للموسم الدراسي الجديد، في حين يواجه طلبة غزة مصيرا تعليميا مجهولا للعام الثالث على التوالي من توقف المسيرة التعليمية.

الطفلة ناي المسارعي ومئات آلاف الطلبة في غزة محرومون من التعليم للعام الثالث على التوالي
ناي المسارعي ومئات آلاف الطلبة في غزة محرومون من التعليم للعام الثالث على التوالي (الجزيرة)

وتنظر نيرمين إلى طفلتها ناي، وتقول بحسرة "لا أعلم متى سأرى ناي بزي المدرسة واقفة في طابور الصباح تستمع إلى جرس المدرسة بدلا من أصوات انفجارات الصواريخ والقنابل".

وباءت بالفشل محاولات الأم في تعليم طفلتها الإمساك بالقلم، وتعليمها الأرقام والحروف. وتشير إلى خيمتها وسط خيام متهالكة ومترامية على مد البصر، وهي تتحدث عن ظروف حياتية بائسة لا تتوفر فيها البيئة المناسبة للتعليم.

"كيف نعلمهم وهم جوعى؟ وكيف سيتعلمون وهم ونحن لا نمتلك اليقين أن نبقى على قيد الحياة، وقد نكون في لحظة في عداد الشهداء؟" هكذا تتساءل "أم ناي" بحزن وألم.

وتسببت الحرب في تدمير البيئة التعليمية، فوفقا للمكتب الإعلامي الحكومي فإنها حرمت أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من التعليم في المراحل المختلفة، وأدت إلى استشهاد أكثر من 13 ألفا و500 طالب وطالبة.

إعلان

وتشير بيانات المكتب الحكومي إلى أن جيش الاحتلال دمر 156 مدرسة كليا، و382 مدرسة وجامعة ومؤسسة تعليمية لحق بها دمار جزئي.

"وحتى بعد توقف الحرب فإن العودة للتعليم لن تكون سهلة، وقد دمرت الحرب شوارعنا ومنازلنا ومدارسنا، وتنتظرنا معركة طويلة وقاسية مع إعادة الإعمار والعودة لحياتنا الطبيعية" حسبما تعتقد نيرمين.

اغتيال الأمل

ولمريم حماد رأي مماثل، إذ تقول للجزيرة نت إن "الحرب قتلت في نفوسنا مساحة الأمل والحياة والتعليم".

ولدى هذه الأم الثلاثينية طفلان: جاد (6 أعوام) وكنان (4 أعوام) ويعيشان منذ عامين ويلات الحرب من موت وجوع ونزوح، ويدركان اليوم مفردات الحرب ومعانيها أكثر بكثير مما يعرفان عن المدرسة والحروف والأرقام.

أحلام عبد العاطي الحرب أثرت على قدرات الطلبة بالتركيز والمذاكرة والرغبة في التعليم
أحلام عبد العاطي: الحرب أثرت على قدرات الطلبة بالتركيز والرغبة في التعليم (الجزيرة)

وقد اندلعت الحرب وكان جاد لتوه التحق بروضة قريبة من منزله في مخيم خان يونس جنوب القطاع، متلمسا أولى خطواته نحو الإمساك بالقلم وتعلم أبجديات القراءة والكتابة.

وعلى صغر عمره، يدرك جاد ما يدور من حوله، ويقول للجزيرة نت "الروضة سكرت (أغلقت) بسبب الحرب والنزوح".

واضطرت أسرة جاد آنذاك للنزوح نحو مدينة رفح المجاورة إثر الاجتياح الإسرائيلي لمدينة خان يونس مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، واستمر لنحو 4 شهور.

وما لبثت هذه الأسرة أن عادت إلى منزلها حتى اضطرت للنزوح مجددا نحو منطقة المواصي، وتقول والدة الطفل "حياتنا غير مستقرة فكيف سيتعلم جاد وأطفالنا؟".

وبدلا من انتظامهم بمدارسهم يتحمل هؤلاء الأطفال أعباء لا تقوى عليها أجسادهم الغضة، ويقومون بمهام يومية مرهقة وشاقة، بحثا عن المياه والطعام لأسرهم، وتتحدث مريم بقهر عن طفلها الذي لا يعرف شيئا عن المدرسة ولا يسأل عنها، لكنه يزاحم من أجل الحصول على المياه، والقليل من الطعام من تكايا خيرية.

معوقات وتدمير هائل

في مثل هذا الوقت تستعد المدارس لاستقبال الطلبة، لكنها أغلبيتها في غزة مدمرة، وما تبقى منها تحول لمراكز إيواء لنازحين ضاقت بهم السبل، حتى أنهم حطموا مقاعد الدراسة واستخدموها وقودا للنيران في ظل أزمة غاز طهي حادة.

وتظهر صور صادرة عن مركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة أن 9 من كل 10 مدارس، بما فيها مدارس تابعة لوكالة الأونروا في غزة، في حاجة إما إلى إعادة بناء كاملة أو أعمال ترميم كبيرة لتعود صالحة للاستخدام.

تقدر هيئات محلية ودولية أن 9 من كل 10 مدارس في غزة تعرضت للتدمير الكلي أو البليغ
هيئات محلية ودولية تقدر أن 9 من كل 10 مدارس بغزة تعرضت للتدمير الكلي أو البليغ (الجزيرة)

ويقدر الدكتور مجدي برهوم رئيس قسم التقنيات التربوية بوزارة التربية والتعليم في غزة والناطق باسمها أن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج للبنية التحتية التعليمية أدى لتدمير أكثر من 95% من مدارس ومرافق، فضلا عن استشهاد أكثر من 800 معلم وعضو في العمل التربوي والإداري.

وكان لتوقف المسيرة التعليمية أثرها الأكثر خطورة على الأطفال في مرحلة رياض الأطفال، والمرحلة الأساسية الدنيا من الصف الأول وحتى الرابع الابتدائي، والذين يعانون بشدة من "فاقد تعليمي". وتعاني هذه الشريحة في مرحلة متقدمة من خطر الأمية الأبجدية، وهذه أدنى درجات الأمية، والتي كانت نسبتها في قطاع غزة ما قبل الحرب من أقل الدول بالإقليم، غير أنها اليوم ارتفعت على نحو ملحوظ وخطير نتيجة الحرب التي تقترب من دخول عامها الثالث على التوالي، وفقا لبرهوم.

إعلان

ويقول للجزيرة نت إن الوزارة تجتهد رغم الظروف المعقدة في توفير بدائل متاحة، عبر إقامة نقاط تعليمية في خيام داخل مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، تركز على الطلبة في مرحلتي "البستان والتمهيدي" والمرحلة الأساسية الدنيا، إدراكا منها بقيمة "التعليم الوجاهي" لهذه الشريحة لتمكينها من كسب المهارات والمعارف.

ولمن لا يتمكن من الوصول لهذه النقاط، إما لبعد المسافة أو لخشية الأسر على أطفالها من الاستهداف الإسرائيلي للتجمعات، يوضح برهوم أن الوزارة نسقت -مع "أونروا" و"خلية الأزمة" في رام الله- بإنشاء "فصول افتراضية" للتعلم عن بعد عبر تطبيقات الإنترنت.

ولكن هذه البدائل غير كافية، وبرأي برهوم فإنها "محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه" وتعترضها الكثير من المعوقات سواء المرتبطة بمخاطر الاستهداف الإسرائيلي، أو تلك الناجمة عن أزمة انقطاع الكهرباء وعدم توفر الوقود وتردي خدمات الإنترنت، وعدم امتلاك الكثير لأجهزة حديثة لمتابعة تعليمهم إلكترونيا.

تجهيل وأمية

وبموازاة الجهد الرسمي، تنتشر مبادرات فردية لمعلمين يشرفون على مدارس صغيرة من الخيام في مخيمات النزوح، وتقول المعلمة أحلام عبد العاطي للجزيرة نت "نصارع الظروف الصعبة والمعقدة من أجل إنقاذ أطفالنا".

وقد افتتحت أحلام مدرسة خيرية من خيام ملاصقة لخيمة نزوحها في مدينة خان يونس، قبل أن تضطر للنزوح بها لمدينة دير البلح، غير أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية لاحقتها واضطرت لتفكيك المدرسة والعودة إلى منزلها في مدينة غزة، وتواجه حاليا مع سكان هذه المدينة مخاطر النزوح الجبري نحو جنوب القطاع مجددا.

مدرسة تابعة لأونروا في مدينة خان يونس تحولت ومئات غيرها لمراكز إيواء للنازحين
مدرسة تابعة للأونروا بمدينة خان يونس تحولت ومئات غيرها لمراكز إيواء للنازحين (الجزيرة)

وعن تجربتها مع الطلبة، تقول أحلام للجزيرة نت "أغلبيتهم يجهلون القراءة والكتابة، وحتى أنهم لا يميزون الحروف، ولا يستطيعون التعامل مع أبسط المسائل الحسابية".

ويسيطر القلق والخوف عليهم، وكثيرون يعانون من صدمات نفسية، وتحذر المعلمة من "ارتفاع معدلات الجهل والأمية في أوساط الأطفال بمرحلة التعليم الأساسي كلما طالت فترة الحرب والغياب عن المدارس التقليدية والتعليم الوجاهي".

وتقول أحلام إن الحرب تركت آثارا سلبية خاصة على الأطفال من عمر 4 إلى 10 أعوام، وأفقدتهم القدرة على التركيز، وأصابتهم بضعف بالذاكرة وتشتت الانتباه، وتجزم بأنه "لا يوجد طفل في غزة سليم جسديا ونفسيا".

الطفل وليد المريدي (10 أعوام) كان ملتحقا بمدرسة أحلام، وتصفه بأنه كان ذكيا ومجتهدا، غير أنه أصيب بانتكاسة ويتملكه الحزن واليأس بعد إصابة والده بالشلل نتيجة عيار ناري إسرائيلي أصابه في رأسه خلال محاولته الحصول على مساعدات إنسانية لإطعام أسرته.

يعيش الطفل وليد المريدي حياة بائسة إثر إصابة والده بالشلل أثناء محاولته الحصول على مساعدات إنسانية
وليد المريدي يعيش حياة صعبة إثر إصابة والده بالشلل أثناء محاولته الحصول على مساعدات إنسانية (الجزيرة)

وكان وليد يحلم بأن يصبح طبيبا، غير أنه اليوم طفل بائس فاقد للأمل، ويتحمل مسؤولية أسرته (7 أفراد) وبدا في حديثه مع الجزيرة نت وكأن الحرب أضافت أعواما إلى عمره، ويتساءل "أبي أصبح مشلولا، والحرب دمرت منازلنا ومدارسنا، وطوال اليوم أبحث عن الماء والطعام، فكيف سأصبح طبيبا؟".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق