كتب محمد بلاص:
كل ما يخشاه أهالي التجمعات السكانية الواقعة جنوب جنين، أن تنفذ حكومة الاحتلال مخططاتها بعودة الاستيطان إلى مستوطنة "ترسلة" المخلاة في إطار خطة الانسحاب أحادية الجانب في العام 2005، بعد الجولة الأخيرة لوزير الجيش الإسرائيلي إسرائيل كاتس على رأس مجموعة من كبار الضباط في جيش الاحتلال وقادة المستوطنين إلى موقع المستوطنة المخلاة والواقعة على بعد عشرات الأمتار من بلدة جبع على الطريق الرئيس الواصل بين محافظتي جنين ونابلس.
وكان مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر "الكابينيت"، صادق مؤخراً على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، إلى جانب إعادة الاستيطان في مستوطنتي "حومش" و"ترسلة" أو "سانور" والمقامتين جنوب جنين، وتم إخلاؤهما في إطار خطة الانسحاب أحادية الجانب.
ووفق أهالي القرى والبلدات الواقعة جنوب جنين، فإن سلطات الاحتلال كانت تمنع أي محاولات من قبل الهيئات المحلية لتشجيع المواطنين على التوجه إلى موقعي المستوطنتين المخلاتين، على مدار أكثر من 20 عاماً مضت، في ظل تكرار محاولات المستوطنين العودة إليهما، واعتداء جيش الاحتلال على كل من يحاول الوصول إليهما من الفلسطينيين.
وتاريخياً، لا تزال حكاية مسجد الجيش العربي الأردني والذي وقع تحت قبضة الاحتلال في الرابع من حزيران العام 1967، تمثل شكل الصمود والبقاء العربي والفلسطيني في موقع مستوطنة "ترسلة" المخلاة، والذي لا يزال مستهدفاً من قبل المستوطنين ولصوص الآثار.
وبحسب الباحث خالد أبو علي، فإن "ترسلة" تلة فلسطينية تقع إلى الجنوب من مدينة جنين على الطريق الرئيس الواصل بين محافظتي جنين ونابلس بالقرب من بلدة جبع، وبلغت مساحتها ما يقارب الـ 60 دونماً، وتأسست قبل العام 1967 كمعسكر للجيش الأردني، واستخدمت مقراً لقائد لواء جنين في الجيش الأردني اسمه عواد الخالدي، وتحولت إلى مستوطنة إسرائيلية دائمة في العام 1978.
وأضاف أبو علي: "من المعتقد أن سبب تسمية (ترسلة) جاء من ترس الله وذكر الكثيرون أنها كانت محمية بناها جيش صلاح الدين الأيوبي وأطلق عليها هذا الاسم".
ومضى لـ "الأيام": "خلال تجوالك في ترسلة المخلاة، سرعان ما تأخذك عيناك إلى مبنى قديم ضخم تم تدمير وتخريب أجزاء منه، وما زال يعرف بالمقاطعة، إلى جانب آثار مسجد قديم تم تدمير أجزاء من مئذنته وبعض جدرانه، وحوله المستوطنون إلى كنيس يهودي قبل إخلاء المستوطنة التي كانت توجد فيها صالة أفراح ونادٍ ليلي، وسكنها مستوطنون متدينون من مستوطنات الخليل ويتسهار".
واستخدم الاحتلال "ترسلة" كمعسكر ومستوطنة قبل إخلائها مع أربع مستوطنات في جنين العام 2005، مع إصراره على بقائها ضمن الأراضي المصنفة "ج".
ويتربع موقع "ترسلة" على تلة تاريخية استراتيجية تشرف على مجموعة من التجمعات السكانية جنوب جنين مثل جبع وصانور وتشرف على الشارع الرئيس الذي يربط نابلس بجنين، وشهدت هذه التلة أحداثاً تاريخية مهمة في العهد الإسلامي الأول مروراً بمرحلة الصليبيين.
وأنشأ الانتداب البريطاني في ذلك الموقع، معسكراً لقواته ومركزاً للتوقيف في العام 1945، وبعد انسحابه أقام الجيش الأردني مركزاً له في المكان وبنى مسجدا ما زالت آثاره قائمة، حتى استولت عليه قوات الاحتلال في العام 1978، وحولته إلى معسكر لجنودها، وأقامت مستوطنة صغيرة في المكان، وما زالت المنطقة التي كانت تتربع عليها هذه المستوطنة مهجورة من السكان ولم تشهد تنفيذ أي مشروع فلسطيني بسبب سيطرة إسرائيل عليها.
وأكد أهالي التجمعات السكانية المجاورة لهذا الموقع، أن المنطقة التي يقع عليها ذات أهمية استراتيجية كبيرة إذ يمر من خلالها الطريق الرابط بين محافظتي نابلس وجنين، إضافة إلى أهميتها الزراعية حيث حقول الزيتون والسهول المحيطة بها، وحاولت السلطة الوطنية تولي المسؤولية عن هذه المنطقة لإنشاء مشاريع فيها تعود بالفائدة على المواطنين، إلا أن تلك المحاولات لم تنجح في ظل تصنيف تلك المنطقة على أنها منطقة "ج".
وقال مواطنون من جبع، إن أهالي القرى الجنوبية طالبوا مراراً وتكراراً بتأهيل ذلك الموقع المؤهل لأن يكون منتجعاً سياحياً وفندقاً ومتنزهاً، إلا أن الإهمال والخراب خيما على المكان وأصبحا سيدا الموقف.
وعلى مدار سنوات مضت، حاول الفلسطينيون تحويل موقع مستوطنة "ترسلة" المخلاة، إلى مزار ليقضوا فيه أوقاتهم للتنزه بشكل فردي غير منظم، رغم محاولات مجموعات من المستوطنين العودة إليها، ورغم تعرض المتنزهين لاعتداءات من قبل جيش الاحتلال.
وقال أحد المواطنين "لو تم استغلال موقع ترسلة كمشروع قرية سياحية، لكان الأمر رائعا نظراً لما يحويه من مناظر رائعة، إلا أن الأهالي كانوا يتخوفون دائماً من اقتحام قوات الاحتلال للمنطقة بين الحين والآخر".
وأكد فشافشة أن هذا الموقع شهد العديد من المعارك المتفرقة في زمن الانتداب البريطاني بين الثوار الفلسطينيين والإنكليز خلال الفترة الواقعة بين 1936 ولغاية 1939، وأنشأت القوات البريطانية مركزاً عسكرياً استخدمته كسجن، وبعد انسحابها تسلمته السلطات الأردنية التي أضافت عليه مسجداً.
وأشار، إلى أن قوات الاحتلال استخدمت هذا الموقع كمعسكر لتدريب جنودها، ووضعت بيوتاً جاهزة في المكان، وسكن فيه عشرة فنانين إسرائيليين وعائلاتهم بحراسة من جيش الاحتلال، وأصبحت تسميتها "قرية الفنانين"، إلى أن جرى الانسحاب منها وإخلاؤها من البيوت الجاهزة في أيلول العام 2005.
وأكدت وزارة السياحة والآثار، أن موقع "ترسلة" يحتل مكانة مهمة، ويمتلك كافة المقومات لتأهيله كمركز جذب سياحي في منطقة تفتقد إلى مثل هذه الأماكن، ويثري السياحة الداخلية في جنين.
0 تعليق