دور رأس مال النمو في تمكين الشركات - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نجلاء المدفع*

لا يقتصر بناء المستقبل الاقتصادي لدولة الإمارات على إنجازات الشركات الكبرى فحسب، بل يتجلى في الجهود الحثيثة لآلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة الطموحة. هذه الكيانات الحيوية تشكل عصب الاقتصاد الإماراتي، حيث تسهم بفعالية في إقامة المشاريع الصناعية، وتوسيع نطاق التجارة، وتوليد فرص عمل نوعية للكفاءات المحلية. وبذلك، تُمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة ركيزة أساسية لدولة تسعى إلى تعزيز مرونتها الاقتصادية، وتنويع مصادر دخلها، وترسيخ مكانتها التنافسية على الساحة العالمية.
تسهم هذه الشركات بدور محوري في معالجة التحديات الاقتصادية الراهنة والمستقبلية، وتمهيد الطريق نحو حقبة جديدة من التطور الصناعي في الدولة. إلا أن العديد منها يواجه تحديات جمة تتعلق بالحصول على الدعم اللازم، على الرغم من امتلاكها مقومات واضحة للنمو والنجاح. يُعزى هذا التحدي بشكل أساسي إلى محدودية أدوات التمويل المتاحة وعدم تطور منظومات رأس المال بما يتناسب مع طموحاتها وإمكانات توسعها المستقبلية.
لا تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة الخيار الأمثل لرأس المال الجريء، الذي يميل إلى التركيز على الاستثمارات الأولية ذات المخاطر العالية، وخاصة في قطاع التكنولوجيا. كما أن هياكلها التنظيمية، التي غالباً ما تكون ذات طابع عائلي أو تسعى لتحقيق نمو متسارع، قد لا تتوافق مع استراتيجيات شركات الاستثمار في الأسهم الخاصة التي تفضل الاستحواذ على شركات تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار والنضج المؤسسي. وفي الوقت ذاته، تواجه هذه الشركات تغيرات متسارعة وظروفاً غير متوقعة، ما يجعلها خارج نطاق التمويل المصرفي التقليدي الذي يتطلب ضمانات قوية واستقراراً مالياً قد يصعب توفره في مراحل النمو المبكرة والمتوسطة.
يصعب تصنيف هذه الشركات، فهي لا تندرج تحت مظلة الأصول عالية المخاطر، كما أنها ليست مشاريع ناشئة تفتقر إلى رؤية واضحة. بل هي في حقيقتها شركات قائمة، مربحة في معظمها، ومتجذرة في المشهد الاقتصادي الإماراتي. تمتلك هذه الشركات القدرة الكامنة على التوسع في أسواق جديدة وتطوير خطوط إنتاج مبتكرة، مما يؤهلها لتكون في صدارة المرحلة المقبلة للنمو الاقتصادي في دولة الإمارات.
انطلاقاً من هذه القناعة الراسخة، تم إطلاق صندوق الإمارات للنمو، ليصبح أول منصة استثمارية متخصصة بالكامل في دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة ضمن القطاعات الحيوية التي تعزز مرونة الدولة على المدى الطويل، مثل التصنيع، والرعاية الصحية، والأمن الغذائي، والتكنولوجيا المتقدمة. وبدعم من مصرف الإمارات للتنمية، يوفر الصندوق رأس مال صبوراً ومرناً بقيمة مليار درهم إماراتي، يتم استثماره لدعم رواد الأعمال في توسيع نطاق أعمالهم وتحقيق تطلعاتهم التنموية.
يحتل رأس مال النمو موقعاً فريداً بين أنواع التمويل المختلفة، حيث يقدم الدعم للشركات التي تجاوزت مرحلة التأسيس ولكنها لم تصل بعد إلى مستويات تؤهلها لعمليات الاستحواذ أو الطرح العام. لا يهدف هذا النوع من التمويل إلى إنقاذ الشركات المتعثرة، بل هو مكرس لدعم نموها وتطورها. ومن خلال توفيره، يتم الحفاظ على الدور الريادي للمؤسسين، وتعزيز حوكمة الشركات، وتسهيل بناء شراكات استراتيجية، ويمنح الشركات الاستقرار المؤسسي اللازم للارتقاء نحو مستويات أعلى من حيث الأداء والانتشار.
بدأت هذه الرؤية تتحقق على أرض الواقع مع إنجاز الصندوق لأول استثمار له من خلال شراكة استراتيجية مع مركز ترميم للعظام والعمود الفقري. هذا المركز، بصفته مؤسسة إماراتية رائدة، يعمل على إعادة تعريف معايير العناية بصحة العظام وحركة المرضى على مستوى المنطقة. ولا يقتصر تأثير هذا الاستثمار في التوسع الجغرافي للمركز فحسب، بل يمتد ليشمل الارتقاء بجودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة، مما يعزز من مكانة دولة الإمارات كمركز إقليمي وعالمي رائد في هذا المجال. ويعتزم الصندوق مواصلة استثماراته الاستراتيجية وبناء شراكات جديدة مع مزيد من الشركات الواعدة.
تحتضن دولة الإمارات بيئة أعمال غنية تضم أكثر من 500000 شركة صغيرة ومتوسطة، تستوعب الجزء الأكبر من القوى العاملة وتسهم بفعالية في تعزيز الإنتاجية الوطنية. ويقدّر الصندوق أن هذا القطاع يمثل فرصة استثمارية واعدة في مجال رأس مال النمو تصل قيمتها إلى 7 مليارات درهم إماراتي. كما يلعب القطاع دوراً محورياً في تحقيق مستهدفات «مشروع 300 مليار»، الاستراتيجية الصناعية الطموحة التي تسعى لرفع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة إلى 300 مليار درهم بحلول عام 2031.
لا ينظر صندوق الإمارات للنمو إلى هذه الشركات من منظور الفرص الاستثمارية فحسب، بل يراها بمثابة البنية التحتية لمستقبل اقتصاد الدولة.
من واقع خبرتي الممتدة لسنوات في العمل عن قرب مع رواد الأعمال، عايشت لحظات الإحباط التي يمرون بها نتيجة لعدم توفر التمويل الكافي لتحقيق طموحاتهم. وفي المقابل، شهدت التحول الإيجابي الكبير الذي يحدث عندما يتوفر الشريك المناسب في الوقت المناسب، فتنطلق الشركة نحو النمو، ويتطور القطاع الذي تعمل فيه، ويزدهر الاقتصاد الوطني ككل.
هذا هو المشهد الذي يتجلى أمامنا اليوم. إنها ليست مجرد فرصة، بل هي مسؤولية مشتركة. لا يقتصر دور الصندوق على سد فجوة التمويل القائمة، بل يتعداه ليصبح شريكاً فاعلاً في رسم ملامح مستقبل اقتصادي أكثر تنوعاً، ومرونة، واستدامة. نحن ملتزمون بدعم الشركات التي تقود الابتكار التكنولوجي، وتوفر خدمات الرعاية الصحية المتميزة، وتُغذّي الأسواق، وتبني القطاعات ذات الأولوية. كما نعمل على تمكين رواد الأعمال المبدعين، انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأهمية بناء مستقبل مزدهر يليق بمكانة دولة الإمارات وتطلعاتها الريادية.
*نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب «صندوق الإمارات للنمو»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق