بين داع إلى التطبيع ورافض له، ثمة خيارات عديدة متاحة أمام الإدارة السورية الجديدة في إدارة علاقتها مع إسرائيل، في ظل ضغوط سياسية واقتصادية وأمنية دولية، مقابل محفزات ووعود بانفتاح إقليمي ودولي.
وتخلص ورقة بحثية نشرها مركز الزيتونة للكاتب عاطف الجولاني بعنوان "الخيارات السورية في إدارة العلاقة مع الكيان الإسرائيلي" إلى أن الخيارات السورية تدور بين 4 مسارات، أكثرها ترجيحا التكيّف الإيجابي والممانعة المحسوبة أو الانفتاح المتدرّج على إسرائيل، مع التحذير من الانزلاق إلى التطبيع الذي تراه الورقة خطا أحمر وخطرا إستراتيجيا على مستقبل سوريا ودورها.
أولا: الضغوط والحوافز الخارجية
تواجه القيادة السورية الجديدة ضغوطا متواصلة للتأثير في توجهاتها السياسية والإقليمية. فالغرب رهن انفتاحه السياسي والاقتصادي عليها بمدى تجاوبها مع الملفات الداخلية الحساسة (الأقليات، والطوائف، والمرأة، والتعليم) وموقفها من العلاقة مع إسرائيل.
ولذلك، وُضعت دمشق أمام خيارين:
إما الاستجابة للمتطلبات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية مقابل الحصول على الشرعية والدعم والانفتاح. أو رفض الضغوط بما يهدد استقرار النظام وتعافي الاقتصاد.مارست إسرائيل سياسة العصا والجزرة، فواصلت عملياتها العسكرية في الأراضي السورية، وادعت حماية الأقليات، خصوصا الدروز، بينما تحركت قوى إقليمية ودولية لتقديم حوافز سياسية واقتصادية ملموسة.
من أبرز هذه الخطوات:
رفع العقوبات الأميركية والأوروبية (مايو/أيار ويونيو/حزيران 2025)، بعد ضغوط سعودية وتركية على واشنطن. شطب هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب (يوليو/تموز 2025)، تمهيدا لإلغاء عقوبات أممية على الرئيس السوري أحمد الشرع ومسؤولين آخرين. اتفاقيات اقتصادية كبرى: استثمار ميناء طرطوس مع "موانئ دبي" بقيمة 800 مليون دولار، وتوقيع 47 اتفاقية سورية سعودية بقيمة 6.4 مليارات دولار. انفتاح دبلوماسي واسع تمثل في زيارات رسمية من فرنسا وتركيا والسعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن وغيرها.إعلان
ثانيا: الاستجابات السورية الحذرة
تحت ضغط هذه التطورات، أبدت القيادة السورية استجابات حذرة تمثلت في فتح قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل.
في مايو/أيار 2025، أطلقت الإمارات قناة خلفية للحوار السوري الإسرائيلي حول قضايا أمنية. أعلن الرئيس أحمد الشرع في باريس وجود مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء. لاحقا، كشفت وكالة رويترز عن لقاءات مباشرة جرت بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، خصوصا في المناطق الحدودية، ترأسها من الجانب السوري قائد أمن السويداء أحمد الدالاتي. في يوليو/تموز 2025، عُقد لقاء رفيع المستوى في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية رون ديرمر برعاية أميركية. في أغسطس/آب الجاري، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن لقاء جمع وزير الخارجية أسعد الشيباني، بوفد إسرائيلي في العاصمة الفرنسية باريس.ويُلاحظ أن اللقاءات السورية الإسرائيلية انتقلت بالتدريج من التواصل غير المباشر عبر وسطاء إلى اللقاءات المباشرة بين وفود تمثل الطرفين، كما انتقلت من حالة السريّة إلى العلنية خلال وقت قصير نسبيا، في مؤشر إلى تراجع مستوى التردد والحذر السوري من إشهار تلك اللقاءات.
ثالثا: الخيارات السورية
ترى الورقة أن دمشق تقف أمام 4 خيارات رئيسية:
قلب الطاولة: رفض التجاوب مع الضغوط والتمسك بالثوابت الوطنية وثوابت الأمة، والانسجام مع الموقف السوري التقليدي الرافض للتطبيع. التكيّف الإيجابي والممانعة المحسوبة: تفعيل عناصر القوة بذكاء لتجاوز الضغوط دون الانزلاق للتطبيع. الانفتاح المتدرّج: تقديم بعض التنازلات الأمنية والسياسية لتثبيت الواقع الجديد والخروج من الأزمة. التطبيع الواسع: الالتحاق باتفاقيات أبراهام والانخراط في مسار يتجاوز القضية الفلسطينية.رابعا: العوامل المؤثرة في الخيارات السورية
تحدد الورقة عوامل تشجع دمشق على الانفتاح، أبرزها:
الحاجة إلى شرعية دولية واعتراف إقليمي. الرغبة في الاستقرار الداخلي وسط تهديدات طائفية وعرقية. مواجهة التهديدات الإسرائيلية بالتدخل العسكري المباشر. الضغوط الاقتصادية والحاجة لرفع العقوبات. تأثير الموقف التركي المشجّع للإدارة السورية على المرونة. تأثير بعض الدول العربية المنخرطة في مسار التطبيع واتفاقيات أبراهام، التي تشجع الإدارة السورية على أن تحذو حذوها.في المقابل، ثمة عوائق قوية أمام التطبيع:
الإرث الفكري للرئيس الشرع وهيئة تحرير الشام، بخلفيته الإسلامية الرافضة للتطبيع. الرفض الشعبي السوري القوي للتقارب مع إسرائيل. استمرار العدوان الإسرائيلي في سوريا ولبنان وغزة. تجارب الدول العربية (مصر والأردن) التي لم تحقق فوائد من التطبيع، بل واجهت تهديدات جديدة.
خامسا: الترجيح
تخلص الورقة إلى أن الخيار المرجّح أمام دمشق يتمثل في:
الخيار الثاني: التكيّف الإيجابي والممانعة المحسوبة. أو الخيار الثالث: الانفتاح المتدرّج.بينما تتضاءل فرص رفض الضغوط كليا (الخيار الأول)، ويُستبعد في المدى القريب الانخراط في التطبيع الواسع (الخيار الرابع)، لما يحمله من أخطار داخلية وشعبية جسيمة.
سادسا: التوصيات
توصي الورقة القيادة السورية بما يلي:
التمسك بخيار التكيّف الإيجابي وتفعيل عناصر القوة دون الانزلاق إلى التطبيع، مستندة إلى قاعدة شعبية واسعة ترفضه. إدراك أن التجاوب مع الضغوط لن ينهيها بل سيؤدي إلى مزيد من الابتزاز. الانتباه إلى أن القوى الغربية تنظر إلى النظام الحالي على أنه مرحلة مؤقتة، وتسعى لإلصاق وصمة التطبيع به. توظيف عناصر القوة السورية كما حدث في أحداث السويداء، حيث تمكنت دمشق من فرض موقفها رغم الضغوط الإسرائيلية. تفعيل دور المجتمع المدني والقوى الشعبية لتعزيز صلابة الموقف الرسمي ورفض التطبيع، بما يوفر للنظام حصانة داخلية في مواجهة الضغوط الدولية.إعلان
0 تعليق