استقرار لبنان.. رهينة بين سلاح حزب الله ودبابات إسرائيل - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشهد لبنان في هذه المرحلة لحظة سياسية فارقة، إذ تتقاطع الضغوط الأميركية والإسرائيلية مع التعقيدات الداخلية، لتضع ملف سلاح "حزب الله" في صدارة المشهد.

تصريحات المبعوث الأميركي إلى بيروت توم براك شكلت نقطة تحول بارزة، بعدما أكد أن إسرائيل ستباشر انسحاباً "متناسباً" من الأراضي اللبنانية تبعاً لمدى التقدم في خطة نزع سلاح الحزب، التي من المفترض أن يرفعها الجيش اللبناني إلى مجلس الوزراء في 31 أغسطس.

لكن هذه التصريحات اصطدمت سريعاً بموقف واضح وصارم من حزب الله، عبر أمينه العام نعيم قاسم الذي شدد أن "السلاح هو روح الحزب وشرفه"، رافضاً بشكل قاطع أي نقاش في التخلي عنه، ومتهماً الحكومة اللبنانية بأنها تعمل تحت "إملاءات إسرائيلية وأميركية".

هذا التباين يضع الدولة اللبنانية أمام معضلة مركبة: كيف يمكن التوفيق بين التزاماتها أمام المجتمع الدولي وبين خصوصية الداخل اللبناني حيث يشكل السلاح جزءاً من معادلة القوة والتوازن؟.

اتفاق دفاعي أميركي لبناني يلوح في الأفق

الكاتب والباحث السياسي داوود رمال، أشار خلال حديثه إلى "الظهيرة" على سكاي نيوز عربية إلى أن الضغوط الأميركية دخلت مرحلة متقدمة.

وأوضح أن زيارة الوفد الأميركي، بمشاركة السيناتور لينسي غراهام، حملت أبعاداً أوسع من مجرد مسألة السلاح، إذ طُرح لأول مرة بشكل جدي خيار اتفاقية دفاع مشترك بين الولايات المتحدة ولبنان.

رمال أكد أن هذا الطرح يرتبط مباشرة بمستقبل قوات "اليونيفيل"، إذ أشار إلى أن التمديد لها سيكون لعام واحد فقط حتى أغسطس المقبل، وخلال هذه الفترة تسعى واشنطن لإنجاز الاتفاقية بما يسمح لها بالانتشار على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

وبرأيه، فإن هذا التطور يعكس أن المسألة لم تعد محصورة بالسلاح فقط، بل تتعلق بإعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي في المنطقة، ولبنان جزء من هذه الخريطة تحت "السقف الأميركي".

وأضاف رمال: "بعد الثاني من سبتمبر سنكون أمام خطوات عملية إسرائيلية، أبرزها بدء الانسحاب من بعض النقاط المحتلة. لكن الأهم أن الأميركيين يربطون هذه الخطوات بمدى التزام الحكومة اللبنانية بخطة الجيش، والتي يبدو أن مجلس الوزراء يتجه لإقرارها كما رفعها الجيش من دون تعديل".

كما لفت إلى أن هناك توافقاً على أن عملية نزع السلاح لن تكون بالقوة، بل عبر مسار تفاوضي – سلمي يجنب البلاد خطر إراقة الدماء، مع التمييز بين السلاح اللبناني والسلاح غير اللبناني الذي سيُعالج بأسلوب مختلف وأكثر حزماً.

بري شريك أساسي في المعادلة

أما الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية، علي شكر، فقد شدد على الدور المحوري لرئيس مجلس النواب نبيه بري، في إدارة هذا الملف.

واعتبر أن إدماج بري ضمن "القادة الأبطال" من قبل المبعوث الأميركي يشي بأن هناك تفاهمات داخلية تتقاطع مع الضغوط الخارجية.

وقال شكر: "منذ وقف إطلاق النار، لعب الرئيس بري دور الأخ الأكبر في العلاقة مع حزب الله، وهو الذي يمتلك شبكة علاقات داخلية وخارجية تجعله مؤهلاً لمقاربة المسألة بمرونة وحكمة. الحديث عن انفكاك بين الحزب وبري غير واقعي حالياً، فهما في موقع المصير المشترك".

ويرى شكر أن الرؤساء الثلاثة – الجمهورية، الحكومة، والمجلس النيابي – نجحوا حتى الآن في استيعاب التناقضات الداخلية، وإيجاد نوع من التماهي مع المتغيرات الإقليمية والدولية، بما يتيح إدارة الأزمة بشكل واقعي. لكنه حذّر من أن الحل مرهون بمدى استعداد إسرائيل لاتخاذ خطوات ملموسة على الأرض، إذ إن استمرار الاحتلال والاعتداءات يجعل من أي نقاش حول السلاح أمراً مؤجلاً.

وأضاف: "الشرط الأساسي لأي تقدّم هو أن تبدأ إسرائيل بخطوات عملية على مستوى الانسحاب ووقف الاعتداءات. عندها يمكن الحديث عن حلول تمهيدية قد تتطور لاحقا".

لبنان أمام مفترق طرق

المشهد الراهن يضع لبنان أمام تحديات داخلية وخارجية متشابكة:

الخارج يضغط بقوة عبر واشنطن وتل أبيب لفرض معادلة جديدة للسلاح والحدود.

الداخل منقسم بين تمسك حزب الله بسلاحه باعتباره ركيزة المقاومة، ومحاولة الدولة تأكيد سلطتها وسيادتها من خلال خطة الجيش.

الوسطاء، وعلى رأسهم الرئيس بري، يسعون لفتح مسارات تفاوضية تخفف من حدّة المواجهة المباشرة.

لكن الخطر الأكبر يكمن في أن أي خلل في هذه المعادلة قد يدفع البلاد إلى اهتزاز داخلي، خصوصاً إذا ما تزامنت الضغوط الخارجية مع غياب التوافق الداخلي.

في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبدو أن لبنان يسير على حبل مشدود بين التسويات الدولية والحساسيات الداخلية. خطة الجيش المرتقبة، وموقف حزب الله الرافض، ومبادرة واشنطن لاتفاق دفاع مشترك، كلها عناصر ستحدد مسار المرحلة المقبلة.

غير أن الثابت الوحيد هو أن ملف سلاح حزب الله لم يعد قضية لبنانية داخلية فحسب، بل أصبح عقدة أساسية في رسم توازنات النفوذ الإقليمي بين واشنطن، تل أبيب، وطهران، فيما يحاول الداخل اللبناني البحث عن صيغة تحفظ السلم الأهلي وتمنع انزلاق البلاد نحو المجهول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق