المفاوضات النووية بين إيران والترويكا الأوروبية..فرصة أخيرة - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتجه الأنظار مجددًا إلى جنيف حيث تعقد إيران جولة جديدة من المباحثات مع ممثلي الترويكا الأوروبية (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا) في لحظة وُصفت بأنها "الفرصة الأخيرة" لإنقاذ الاتفاق النووي المتعثر، وسط تهديدات أوروبية بإعادة فرض العقوبات على طهران عبر آلية "سناب باك"، وتصعيد إيراني بلغ حدّ التلويح بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.

الوفد الإيراني الذي يقوده مجيد تخت روانجي، نائب وزير الخارجية، يصل إلى جنيف في وقت حساس، إذ لم يتبق سوى أيام قليلة على انتهاء المهلة الأوروبية الخاصة بملف العقوبات. لكنّ طهران سبقت الجولة الجديدة بتجديد خطابها حول "التمسك بالحقوق النووية" وإعادة ترتيب أوراقها الداخلية والخارجية على حد سواء.

تهديدات متبادلة ومواقف متصلبة

في الداخل الإيراني، ارتفعت لهجة الخطاب السياسي. فقد حذّر عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني إسماعيل كوثري من أن تفعيل آلية "سناب باك" سيفتح الباب أمام خيارات أكثر خطورة، أبرزها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي.

أما علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، فأكد أن إيران لن تستسلم للضغوط، معتبرا أن المفاوضات الحقيقية "تثمر فقط حين يدرك الغرب أن الحرب لا جدوى منها".

في المقابل، يرى الأوروبيون أن الأزمة تجاوزت حدود الملف النووي إلى قضايا جيوسياسية أوسع. فإلى جانب المخاوف من وصول تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى مستويات خطرة (60%)، باتت طهران تُتهم أيضًا بتغذية الحرب في أوكرانيا عبر تزويد موسكو بطائرات مسيّرة وصواريخ متطورة، وهو ما تعتبره أوروبا تهديدا مباشرا لأمنها.

إعادة ترتيب الأوراق في طهران

صحيفة "ناشونال إنترست" الأميركية نشرت مقالًا رأت فيه أن إعادة هيكلة مؤسسات الأمن القومي الإيرانية مؤخراً تهدف إلى ترميم نقاط الضعف التي برزت خلال الحرب مع إسرائيل، حيث أُنشئ "مجلس الدفاع" الجديد، وأعيد تعيين علي لاريجاني في موقع محوري بصفته أمينا لمجلس الأمن القومي وممثلا للمرشد. ويُتوقع أن يمنح هذا الترتيب إيران قدرة أكبر على الردع ومنع تسرب المعلومات في لحظات الأزمات.

هذه التغييرات الداخلية تعكس – بحسب المقال – محاولة من النظام الإيراني لإظهار تماسك سياسي وأمني أمام الضغوط الغربية، والتأكيد على أن الخيارات العسكرية أو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية تبقى مطروحة إذا فشلت المفاوضات.

الموقف الروسي.. دعم استراتيجي لإيران

التحولات لم تقتصر على الداخل الإيراني. فروسيا بدورها دخلت على خط الأزمة بقوة أكبر مما سبق. وخلال اتصال هاتفي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ومسعود بزشكيان، جرى بحث الملف النووي الإيراني والاتفاق على لقاء ثنائي خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في الصين أواخر الشهر.

بيان الكرملين شدّد على أن موسكو تعتبر حق إيران في تخصيب اليورانيوم "أساسيًا وحاسمًا"، وهو موقف يعكس تصعيدًا واضحًا تجاه الموقف الأوروبي، ويأتي في سياق التوتر الروسي – الغربي بسبب أوكرانيا. وبهذا، باتت طهران ورقة في لعبة النفوذ بين موسكو والعواصم الأوروبية.

الخيار الدبلوماسي ما زال قائما

في حديثه إلى "التاسعة" على سكاي نيوز عربية، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، حسني عبيدي، أن إيران "ما زالت متمسكة بالخيار الدبلوماسي" رغم الخطاب المتشدد.

وأوضح أن النظام الإيراني يقوم على ثنائية: تيار ثوري متشدد يرفع سقف التهديدات، وتيار أكثر واقعية يتعامل مع أوروبا والغرب.

لفت عبيدي خلال حديثه إلى أن إرسال وفد دبلوماسي إلى فيينا قبل أيام، واستقبال نائب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ثم المشاركة في مفاوضات جنيف، كلها مؤشرات على أن طهران لا تزال ترى في التفاوض وسيلة لـ"ربح الوقت" والحفاظ على مكاسبها النووية.

كما شدّد على أن الأوروبيين يضعون هدفين أساسيين: إعادة إيران إلى طاولة التفاوض مع الولايات المتحدة، وتمكين مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من مراقبة البرنامج النووي، ولا سيما بعد فقدان نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب من سجل الوكالة نتيجة الضربات الأميركية والإسرائيلية.

معضلة أوروبا.. بين التهديد والواقعية

الأوروبيون – وفق عبيدي – يعتبرون أن الاتفاق النووي المبرم عام 2015 كان الضمان الوحيد لمنع طهران من تجاوز عتبة التخصيب المسموح بها (3.6%).

أما المستويات الحالية (60%) فتعني اقتراب إيران من "العتبة النووية"، وهو ما يثير قلقًا مضاعفًا في ظل انعدام الشفافية.

لكن في الوقت ذاته، تبدو خيارات أوروبا محدودة. فاقتصاديا، حجم التبادل التجاري بين الجانبين ضئيل نسبيا (الصادرات الأوروبية إلى إيران نحو 3 مليارات يورو، مقابل صادرات إيرانية لا تتجاوز مليارا). لذلك تقول طهران إن العودة إلى العقوبات لن تمثل خسارة كبيرة، في ظل العقوبات القائمة أصلاً.

تقاطع الأزمات: النووي والأوكراني

تُجمع التحليلات على أن الأزمة النووية لم تعد بمعزل عن الحرب في أوكرانيا. إذ ترى أوروبا أن دعم إيران العسكري لموسكو يجعلها طرفًا مباشرًا في تهديد الأمن الأوروبي، وبالتالي فإن الضغوط على الملف النووي تُستخدم للحد من نفوذ طهران في الجبهة الأوكرانية أيضًا.

في المقابل، تراهن إيران على روسيا والصين داخل مجلس الأمن لتعطيل أي مسعى أوروبي لتفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات الدولية.

هذه الورقة تمنح طهران قدرًا من الثقة في مواجهة التصعيد الأوروبي، لكنها تبقى محفوفة بالمخاطر إذا قررت واشنطن العودة إلى الضغط المباشر.

لحظة مفصلية

بين تهديدات الانسحاب من المعاهدات الدولية، ومحاولات أوروبا إعادة إيران إلى المفاوضات، والدعم الروسي المتنامي لطهران، تبدو جولة جنيف محطة حاسمة في مسار الملف النووي.

الفرصة ضيقة، والخيارات محدودة، لكن ما زالت هناك نافذة دبلوماسية، كما يشير حسني عبيدي، شرط أن تتخلى طهران عن سياسة "العمل في الظل" وتفتح أبوابها أمام التفتيش الدولي. أما في حال الفشل، فإن الأزمة ستتجاوز النووي لتتحول إلى ساحة جديدة من صراع النفوذ بين الشرق والغرب.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق