بعيدًا عن مخطط توزيع الأدوار الإخوانية بين مجموعات تدعو للسلمية الخادعة وأخرى تكفيرية دموية بلا قناع، تواجه الجماعة أزمات داخلية مُتجددة، فلا تتوقف الاتهامات المتبادلة بين قياداتها الهاربة بالخارج، بعد أن تحوّلت دول الملاذ الآمن إلى ساحة صراع على النفوذ، وما يتبعها من تكالب على مصادر التمويل المشبوه. وفي قلب هذه الخلافات يعود اسم "محمود حسين"، إلى صدارة قوائم الاتهامات، لأنه من وجهة نظرهم "فتنة حيثما ظهر، وسيظل وجوده سببًا في العديد من الكوارث" التي تضرب التنظيم في الخارج والداخل.
في السابع عشر من أغسطس 2025، عاد الإخواني الهارب عبد المقصود الصيفي إلى ترويج منشورات جديدة عبر حسابات التواصل الاجتماعي، اعتبرها المتمردون على القيادي محمود حسين "لائحة اتهامات" فاضحة تحمله مسؤولية الانحراف عن مسار الجماعة، ودليلًا على تبنيه نهج الهزيمة، خاصة بعد ما أعلنه في الرابع عشر من أغسطس 2025 على شاشة إحدى القنوات الإخوانية من تصريحات تضر بالتنظيم في الداخل والخارج، كما اتُّهم بخيانة العهد والبيعة لأنه: "يفصل هذا، ويجمِّد ذاك، ويعزل آخر، ويسيطر على أموال التنظيم، بلا حياء وبغير صفة".
المنشورات الجديدة تضم قائمة طويلة من الاتهامات التي تلاحق محمود حسين، المُنتحل صفة "القائم بأعمال المرشد العام"، أبرزها:
- تسريب معلومات عن لقاء جمع بين قيادي إخواني ومسؤول في إحدى الجهات الأجنبية، يزعمون أنه تم خلاله الاتفاق على خطة الاعتداءات المتكررة على السفارات والقنصليات المصرية في عدد من الدول قبل تنفيذ أول اعتداء بنحو أسبوعين.
- التلاعب بالجنسيات وما يُسمى "الإقامات الإنسانية" باسم جمعيات إخوانية في إحدى الدول، ومحاربة مخالفيه بمنع الجنسية عنهم وبيعها لآخرين للتربح منها.
- التحكم في الإعلام الإخواني والتمويل الوارد للجماعة من عدة مصادر، والسيطرة على قناة وطن "المنهوبة"، ورفضه تسليم الملف المالي للمكاتب المنتخبة، حتى وُصف العاملون في القناة بأنهم يتقاضون رواتبهم من المال الحرام "لأنها باشتراكات الإخوان، ومنهم الرافضون له".
- محاربة المخالفين له داخل الجماعة ومنع الدعم عنهم وخاصة إخوان الفيوم وبني سويف والإسكندرية، والتضييق على شباب الجماعة في إحدى الدول، وحرمانهم من السكن الذي وفرته جمعيات خيرية عربية، وملاحقتهم بأنواع أخرى من الأذى المتكرر.
- زرع الفتنة الداخلية بتأسيس جروبات على مواقع التواصل لتشويه مخالفيه وخصومه داخل الجماعة.
- التآمر على الدكتور محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، وإصدار قرار بفصله، بل إن بعضهم زاد واتهم محمود حسين بتسريب خط سيره في رحلة الهروب، ما أدى إلى مقتله في الرابع من أكتوبر 2016م.
- عزل لجنة الخارج وفصل الأعضاء من دون الرجوع إلى شورى الجماعة، وانتحال صفة "الأمين العام بالخارج" رغم وجود أمين عام في الداخل.
- رفض كل مبادرات الصلح التي طُرحت داخل الجماعة، والمشاركة في تأصيل الفُرقة داخل الجماعة، وإهانة القرضاوي بأنه "لا صفة له". كما جرى اتهامه بأنه "كذب على الداخل، ووقّع باسم محمود عزت، ثم رفض التحقيق معه بعد انكشاف الأمر".
بعد مقتل محمد كمال، شعر كثيرون داخل التنظيم أن "الغطاء انكشف". يقول أحدهم: "كنا نعيش في غيبوبة.. .حتى جاءت الفاجعة في 2016.. .ما هذا الذي يحدث؟ أهذه جماعتنا؟"، مشيرًا إلى أن تلك اللحظة فتحت باب التساؤلات حول طريقة إدارة التنظيم في الخارج، وكيف تحوّل الحلم من "عودة الجماعة إلى حكم مصر" إلى "صراعات شخصية وقرارات إقصائية".
أحد أبرز المحاور التي يُهاجم فيها "حسين" هو فشله في تقديم خطة عملية لإنقاذ المحبوسين. وقد "مر أكثر من 12 عامًا ولا خطة له، ولم يخرج مسجون واحد.. .بل ضحى بالمرشد العام والقيادات في سبيل السيطرة على الجماعة واحتكار مالها". وهذا الاتهام تحديدًا يضعه في موضع المسؤول عن "التضحية بالصف" لصالح استمرار نفوذه.
رغم أن حسين يتصدر الهجوم، إلا أن الاتهامات الإخوانية لا تبرئ غيره. فقد اتهموا صلاح عبد الحق، "خصم محمود حسين" الذي ينازعه على منصب "القائم بأعمال المرشد العام"، بأنه "فيه من الضعف بمكان، والعجز الظاهر، وعدم القدرة على اتخاذ أي موقف يعود على الجماعة بفائدة"، لكن المقارنة في النهاية تصب لصالحه، باعتبار أن حسين - بحسب تعبيرهم - "باع الجماعة وخانها".
تكرار اسم محمود حسين في كل موجة خلاف داخل "الإخوان" لا يعني أن الأزمة مرتبطة به وحده، بل تعكس هذه الاتهامات أن الجماعة دخلت في مأزق بنيوي وصراع على الشرعية بين الداخل والخارج، غياب قيادة موحدة، وغضب داخلي وتفكك مالي وإداري. وفساد ينخر في "عظام التنظيم".
هذه الاتهامات المتجددة تؤكد أن التنظيم الإخواني المصري يعاني من أزمات داخلية، يتبادل فيها القادة الاتهامات بالخيانة والفساد.وفي قلب هذه الصراعات يقف محمود حسين، الذي ينظر إليه الكثيرون من أبناء التنظيم في الداخل والخارج باعتباره "المسؤول عن خراب الجماعة، وتمزيق صفوفها"، وما دامت هذه الصراعات مستمرة، فلن يبقى من "التنظيم" سوى أطلال ممزقة تتنازعها قيادات الخيانة والعمالة والارتزاق.
0 تعليق