يتزايد الجدل حول دور الحكومة في الاقتصاد الأميركي، مع تصاعد النقاشات حول مدى تدخل الدولة في شؤون الشركات الخاصة، بينما تتطلع الأسواق والمستثمرون إلى فهم حدود هذه العلاقة، وسبل الحفاظ على استقرار القواعد الاقتصادية في ظل الضغوط السياسية.
تستجيب الشركات لمتغيرات متسارعة في البيئة السياسية والاقتصادية تحت قيادة ترامب، وتبحث عن سبل التكيف مع أي تغييرات قد تؤثر على استراتيجياتها الاستثمارية والإنتاجية. وفي الوقت نفسه، يراقب المحللون التطورات بعين حذرة، معتبرين أن أي تحرك غير تقليدي قد يترك أثراً طويل المدى على ثقة المستثمرين.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى تدخل الرئيس ترامب في الشركات الأميركية بطرق استثنائية؛ بما في ذلك:
امتلاك حصة في شركة "يو.إس. ستيل". الدفع نحو الحصول على جزء من عائدات شركتي "إنفيديا" و"ايه إم دي" من الصين. في الشهر الماضي، أعلن البنتاغون أنه سيستحوذ على حصة بنسبة 15 بالمئة في شركة "إم. بي. ماتيريالز"، وهي شركة تعدين أميركية كبرى للمعادن النادرة. يوم الجمعة، وافقت شركة "إنتل" على السماح للحكومة الأميركية بالاستحواذ على حصة بنسبة 10 بالمئة في أعمالها، بقيمة 8.9 مليار دولار.يقول محامون ومصرفيون وأكاديميون مطلعون على تاريخ "الاستحواذات العدائية والأعمال الدولية"، إن هذه التطورات قد تشير إلى تحول من النظام الحر الذي تشتهر به الولايات المتحدة إلى نظام يشبه، على الأقل في بعض جوانبه، شكلًا من أشكال الرأسمالية المدارة من الدولة، كما هو أكثر شيوعاً في أوروبا، وإلى درجة مختلفة في الصين وروسيا.
تدفع هذه التحركات المصرفيين والمحامين في وول ستريت إلى التحرك بسرعة لمساعدة الشركات على وضع خطة دفاعية أو على الأقل إيجاد طرق للتعامل مع ترامب وإرضائه، بحسب تقرير للصحيفة.
وقال الرئيس المشارك لممارسة الدفاع عن الشركات في مكتب المحاماة "سيدلي أوستن"، كاي ليكيفيت: "تقريبًا كل شركة تحدثت معها، والتي تتلقى بشكل منتظم دعماً أو منحاً من الحكومة، قلقة حاليًا بشأن هذا الأمر".
تقوم إدارة ترامب بربط شبكة واسعة، حيث تبحث عن شركات أخرى تعتقد بأنها قد تكون مؤهلة لبعض أشكال التدخل الحكومي، وفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على هذه المناقشات.
وتدخلت الحكومة الأميركية في قطاع الشركات سابقاً، حيث استحوذت إدارة أوباما على حصص في البنوك وشركات السيارات بعد الأزمة المالية عام 2008، واستخدمت كل من إدارتَي أوباما وبايدن الدعم الحكومي لتعزيز التكنولوجيا الخضراء.
لكن الخبراء يقولون إن دفع ترامب مختلف عن ما شهدته الولايات المتحدة من قبل، وأكثر عدوانية. فالشركات التي يستهدفها ليست على شفا الانهيار، ولن يؤدي انهيارها، كما حدث مع البنوك خلال الأزمة المالية، إلى سلسلة من الأحداث التي قد تؤدي إلى كارثة اقتصادية عالمية.
تدخل الرئيس
استاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
تدخّل الرئيس ترامب في الشركات الأميركية بطرق استثنائية معناه إنه يتجاوز القواعد التقليدية التي بتحكم العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص في الولايات المتحدة. الاقتصاد الأميركي مبني تاريخياً على مبدأ حرية السوق، بمعنى أن الحكومة لا تتدخل إلا في حالات الضرورة (تنظيم المنافسة وحماية المستهلك، أو إنقاذ الاقتصاد وقت الأزمات الكبرى). لكن تدخل الرئيس بشكل مباشر في قرارات الشركات (مثل الاستثمار أو التوسع أو حتى تعيينات إدارية)، فهذا يُعتبر خروجاً عن المألوف.ويشير إلى أن وقائع التدخل الأخيرة تعكس توجهاً نحو التسييس في القرارات الاقتصادية، بحيث تصبح بعض الشركات تحت ضغط سياسي بدلاً من العمل بناءً على اعتبارات السوق فقط. كما قد يكون الهدف دعم قطاعات معينة يراها الرئيس استراتيجية (مثل التكنولوجيا، الطاقة، الدفاع).
ويضيف:" "المستثمرون عادةً يبحثون عن استقرار القواعد ووضوح القوانين.. وبالتالي فإن أي تدخل استثنائي يخلق حالة عدم يقين (..) التدخلات الاستثنائية من الرئيس ترامب قد تحقق مكاسب سياسية واقتصادية آنية، لكنها تحمل مخاطر على سمعة الاقتصاد الأميركي كمركز عالمي للاستثمار قائم على الشفافية وحرية السوق".
خطوات ترامب
تقرير سابق لشبكة "إن بي سي نيوز"، يشير إلى أنه
لعدة سنوات، جادلت المجموعات المحافظة وقادة الشركات بأن الحكومة الأميركية ستكون أفضل إذا أُديرت مثل الأعمال التجارية. أما بالنسبة للرئيس دونالد ترامب، الذي أدار أعماله الخاصة لعقود، فهذا يعني اتخاذ دور متزايد النشاط في شؤون الشركات الفردية، من التصنيع إلى الإعلام وصولاً إلى شركات التكنولوجيا. تستجيب الشركات لمطالب رئيس يمارس سلطاته بحرية أكبر مما فعل في فترة رئاسته السابقة. بتشجيع من ترامب، أعلنت شركة كوكاكولا أنها ستنتج نسخة من مشروبها الشهير باستخدام سكر القصب المزروع في الولايات المتحدة. كما دفعّت شركة باراماونت ملايين الدولارات لتسوية مزاعم وجهها ترامب ضد برنامج "60 دقيقة" المرموق على قناة سي بي إس. كما وافقت شركتا تصنيع رقائق كبيرتان على منح الحكومة حصة من مبيعاتهما في الصين. والتقى الرئيس التنفيذي لشركة إنتل بترامب بعد وقت قصير من دعوة الرئيس له للاستقالة.ويمثل دور ترامب اختلافاً ملحوظاً مع الإدارات السابقة التي ربما كانت غير راغبة أو غير قادرة سياسياً على ممارسة ضغوط مماثلة على الشركات... بينما يقف ترامب اليوم في اتجاه تيار يمين أكثر جرأة يدعو إلى تعزيز تدخل الدولة في شؤون الشركات.
ويقول بعض الخبراء إن نهجه التدخلي في شؤون الشركات المملوكة للمستثمرين يمثل شيئا جديدا، على الأقل في الحكومة الأميركية، على الرغم من أن الأكاديميين يقولون إن له أصداء في النهج الذي شوهد في الصين وأوروبا ما بعد الحرب وسنغافورة.
ثقة المستثمرين
خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
أعاد الرئيس دونالد ترامب تعريف العلاقة بين الدولة والسوق الأميركية عبر تدخلات مباشرة وغير مسبوقة. الحكومة اشترت 10 بالمئة أسهم إنتل، وتمنح نفسها حصة في S. Steel بحق نقض القرارات الاستراتيجية كما أبرمت اتفاقات مع Nvidia وAMD تمنحها 15 بالمئة من عائدات المبيعات للصين مقابل السماح بالتصدير. هذه الخطوات وُصفت بأنها شبكة أمان وطنية تعزز القطاعات الاستراتيجية في مواجهة الصين لكنها تخلق ارتباكاً في الأسواق.ويستطرد: "يمكن القول إن ترامب كسب أوراق قوة صناعية لكنه يخسر جزءاً من ثقة المستثمرين العالميين الذين باتوا يرون في الاقتصاد الأميركي سوقاً أقل حرية وأكثر عرضة للتقلبات السياسية، لا سيما أن هذه التدخلات الاستثنائية من شأنها أن تترك أثراً مزدوجاً على ثقة المستثمرين.. فمن جانب رأت بعض الصناديق أن تدخل الدولة يعزز استقرار الصناعات الحساسة لكن الغالبية عبّرت عن قلق من تراجع قواعد السوق الحرة (..)".
0 تعليق