بعد عام من الإطاحة بالشيخة حسينة من رأس السلطة في بنغلاديش وفرارها إلى الهند، ما زالت البلاد تتحسس خطاها للوصول إلى الاستقرار السياسي، فلم تجر الانتخابات بعد، ويدير البلاد الدكتور محمد يونس، الاقتصادي المرموق، صاحب تجربة بنك الفقراء، ومعه وزراء تكنوقراط، وبعض الشباب الذي قادوا الانتفاضة التي أطاحت بالشيخة حسينة.
انتظمت الأنشطة الاقتصادية والحياة العامة في بنغلاديش خلال العام الماضي، وثمة مجموعة من الإصلاحات نالت من مسؤولي مؤسسات اقتصادية ومالية بالبلاد، كانوا ينتمون لحزب الشيخة حسينة.
وتعاني بنغلاديش البلد الفقير، ذو الكثافة السكانية العالية، من مشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة، على رأسها الفقر والبطالة والفساد، وهي العوامل التي دفعت الطلاب إلى أن يقودوا انتفاضة أغسطس/آب 2024 ضد سلطة الشيخة حسينة.
وينتظر أن يكون لبنغلاديش تجربة مختلفة عن ثورات الربيع العربي التي قُوّضت وورث من قاموا بها مشكلات عدة، بل عاشت بلدان الربيع العربي مشكلات اقتصادية واجتماعية كبيرة.

وفي حالة بنغلاديش ينتظر أن تتم عملية نقل هادئة للسلطة، تشرف عليها حكومة الدكتور محمد يونس، بحيث لا تتكرر التجارب الفاشلة للأحزاب السياسية التي مرت بها بنغلاديش منذ سبعينيات القرن العشرين حتى العام الماضي.
ويتوقع أن تجرى الانتخابات البرلمانية في بنغلاديش خلال النصف الأول من عام 2026، وهو ما يعني استمرار حالة الترقب والحذر لدى المعنيين بالشأن الاقتصادي في بنغلاديش حتى إجراء الانتخابات، والمأمول أن تكون مختلفة عن ذي قبل، بحيث تكون بداية لتبنّي برامج تنموية وسياسات اقتصادية صحيحة.
ماذا عن المؤشرات الاقتصادية؟
ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في بنغلاديش من 347.4 مليار دولار في عام 2023 إلى 450.1 مليار دولار في 2024، وكان معدل النمو في العامين 5.8% و4.2% على التوالي، وفي ما يخص عام 2025 ذهبت تقديرات بنك آسيا للتنمية إلى وصول معدل النمو إلى 3.9%.
إعلان
واعتمد بنك آسيا للتنمية في تقديره بتراجع معدل النمو في بنغلاديش عام 2025 على ضعف الطلب المحلي، والكوارث الطبيعية، وارتفاع معدلات التضخم، والاضطرابات التي شهدها قطاع الصناعة بالبلاد بسبب الأحداث السياسية.
ولكن تقديرات بنك آسيا للتنمية تذهب إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي لبنغلاديش إلى 5.1% في عام 2026، وهي تقديرات تتناسب مع حالة الهدوء النسبي التي تعيشها بنغلاديش على الصعيد السياسي، وحالة القبول الإقليمي والدولي التي تحظى بها القيادة السياسية الحالية في البلاد.
ووفق أرقام نشرة الاتجاهات الاقتصادية الشهرية الصادرة عن بنك بنغلاديش المركزي في يونيو/حزيران 2025، فقد بلغت تحويلات العاملين بالخارج خلال الشهور العشرة الأولى من العام المالي 2024/2025 نحو 30.3 مليار دولار.
وقد لوحظ أن تحويلات العاملين بالخارج شهدت زيادة ملحوظة بعد الإطاحة بالشيخة حسينة، فعلى سبيل المثال، بلغت التحويلات في شهر مارس/آذار 2025 نحو 3.2 مليارات دولار، وهي الأعلى بين الشهور العشرة الماضية من العام المالي 2024/2025.
جدير بالذكر أن ما تحقق من رصيد بتحويلات العاملين في 10 أشهر من الإطاحة بالشيخة حسينة يفوق ما تحقق في عام كامل قبل الإطاحة بها، ففي عام 2023/2024 بلغت تحويلات العاملين بالخارج 23.9 مليار دولار.

أما احتياطيات النقد الأجنبي فقد أشارت نشرة الاتجاهات الاقتصادية إلى أنها بلغت 26.7 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2025، مقارنة بـ21.7 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2024، بزيادة تقترب من 5 مليارات دولار، وبنسبة 22%.
وعن التجارة الخارجية أفادت النشرة بأن الصادرات السلعية في العام المالي 2024 /2025 قد زادت 3.8 مليارات دولار مقارنة بما كانت عليه في عام 2023/2024، كما أن الواردات خلال الفترة من يوليو/تموز 2024 حتى مايو/أيار 2025 قد زادت 2.6 مليار دولار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
أما الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فتعتبر أحسن فترات أدائها في الفترة من يناير/كانون الثاني حتى مارس/آذار 2025، حيث بلغت 864.6 مليون دولار، في حين بلغت في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول حتى ديسمبر/كانون الأول 2024 نحو 490.4 مليون دولار، أما الفترة الأقل أداء فكانت من يوليو/تموز حتى سبتمبر/أيلول 2024 حيث بلغت 104.3 ملايين دولار، وكان طبيعيا أن تنخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الفترة من يوليو/تموز حتى سبتمبر/أيلول 2024، إذ إنها كانت فترة الاضطرابات التي شهدت الإطاحة بالشيخة حسينة من السلطة.
وعن التضخم تفيد النشرة بأن ثمة ارتفاعا طفيفا شهدته معدلات التضخم خلال الفترة من أغسطس/آب 2024 حتى يونيو/حزيران 2025، ففي أغسطس/آب 2024 كان معدل التضخم على أساس سنوي 9.95%، ووصل في أكتوبر/تشرين الأول إلى 10.05% وتراجع في يونيو/حزيران 2025 إلى 10.03%.
تحديات يواجهها اقتصاد بنغلاديش
تقرير صندوق النقد الدولي الصادر في يونيو/حزيران 2025 ذهب إلى أن الصادرات السلعية لبنغلاديش، وبخاصة تلك المعنية بتصدير الملابس، يتوقع لها أن تنمو بنسبة 7% في النصف الثاني من عام 2025، إلا أنها سوف تصطدم بالرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الواردات من بنغلاديش بنسبة 37%.
إعلان
وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق بين بنغلاديش وأميركا، لتعود الجمارك على صادرات بنغلاديش إلى 10%، فإن ذلك قد يؤدي إلى تراجع حاد في صادرات بنغلاديش، وسوف يكون هناك مخاطر اقتصادية تواجهها البلاد.
أيضا ذكر تقرير صندوق النقد أن هناك تحديا آخر يتعلق بسعر صرف العملة المحلية في بنغلاديش، بحيث يتم تحرير وضبط سياسات سعر الصرف، فلا يتدخل البنك المركزي لحماية العملة، ويتم إهدار احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي.
جدير بالذكر أن سعر الصرف الرسمي للدولار 122.8 تاكا للدولار في يونيو/حزيران 2025، وكان السعر في سبتمبر/أيلول 2024 نحو 120 تاكا للدولار، وهو ما يعني أن تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار طفيف، على الرغم من الأحداث السياسية التي عاشتها البلاد.

آفاق المستقبل
تبقى الآمال حبيسة الممارسات السليمة، والوصول إلى حلول تناسب التحديات الإستراتيجية، فبنغلاديش تعاني من مشكلة كبيرة في مواجهة الكوارث الطبيعية، من فيضانات وجفاف خلال العام الواحد، وهي بحاجة إلى إقامة مجموعة من السدود تعينها على إدارة أزمة الفيضانات والإسهام في زيادة قدرة البلاد على إنتاج الكهرباء.
والعقبة الكبرى في قضية إدارة أزمة الفيضانات تتمثل في الوصول إلى اتفاقيات ملزمة مع الهند في هذا الشأن. وهو ما يحتاج إلى إدارة ملفات عديدة عالقة بين البلدين منذ عقود، ومن ثم فإما الحلول الجزئية، أو إمكانية التوصل إلى حل جذري وشامل في إطار سلمي لكل الملفات.
والقضية الثانية، تتعلق بعدالة توزيع الثروة، واستيعاب فائض القوى العاملة، والقضاء على ظواهر التسول وسكان الشوارع والفساد.
لقد كانت قضية عدم عدالة الحصول على الوظائف الحكومية الشرارة التي فجرت انتفاضة الشباب والطلاب، ولا بد من وجود آلية تضمن عدالة التوظيف بالحكومة.
ومن المهم أن تتوفر لدى بنغلاديش إستراتيجية لتوظيف تحويلات العاملين بالخارج، إذ تعد من أهم موارد البلد من النقد الأجنبي، بحيث تسهم هذه التحويلات في تمويل مشروعات لهؤلاء العمال، سواء كانت مشروعات متناهية الصغر، أو تعمل الحكومة على ترويج مشروعات متوسطة وكبيرة من خلال آلية شركات المساهمة.
وهي قضايا في مجملها تحتاج إلى عقود قادمة، ولكن المهم أن يلمس الناس نية وعزما على الإصلاح في ما هو قادم، حتى لا تتكرر ثورة الشعب مرة أخرى.
0 تعليق