أنقرة- شهدت مدينة إسطنبول انطلاق فعاليات مؤتمر عالمي تحت شعار "غزة مسؤولية إسلامية وإنسانية" بمشاركة ما يزيد على 100 من كبار علماء الأمة من أكثر من 50 دولة.
ويأتي المؤتمر الذي انطلق في ساحة جامع السلطان أيوب بإسطنبول، عقب صلاة الجمعة مباشرة، استجابة لإحدى أخطر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع، بهدف تحشيد الجهود الإسلامية والإنسانية لنصرته ووقف الإبادة.
ويشرف على تنظيمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالتعاون مع مؤسسة وقف علماء الإسلام في تركيا، وبدعم بروتوكولي من رئاسة الشؤون الدينية التركية. وأكد المنظمون أن غزة ليست مجرد قضية محلية للفلسطينيين، بل أمانة إنسانية ورسالة حضارية للعالم الإسلامي والضمير العالمي.
أهداف المؤتمر
وبانتهاء التجمع، طُويت صفحة اليوم الأول من المؤتمر الذي اكتفى بهذه الوقفة الرمزية وما تخللها من كلمات العلماء ورسائلهم، على أن تتواصل الفعاليات ابتداء من السبت بجلسة رسمية يقدّم فيها رؤساء الوفود والعلماء البارزون كلماتهم البروتوكولية.
ووفق البرنامج المعلن، سيمتد المؤتمر على مدى أسبوع كامل عبر 18 ورشة عمل تخصصية تُعقد بين الأحد 24 والخميس 28 أغسطس/آب الجاري، تتناول أبعاد القضية الفلسطينية، وعلى رأسها الحرب على غزة، من زوايا شرعية وسياسية وإنسانية.
ويُختتم الحدث يوم الجمعة 29 من الشهر نفسه بإصدار البيان الختامي، من جامع آيا صوفيا الكبير، بحضور العلماء المشاركين وبإعلان توصياتهم للعالم.
إعلان
يهدف المؤتمر إلى تحويل التعاطف مع غزة إلى فعل عملي منظم، يستند إلى رؤية شاملة تضع الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء أمام مسؤولياتها الأخلاقية والشرعية. فهو يسعى أولا إلى تعبئة الطاقات لوقف العدوان المتواصل على القطاع، وفتح الممرات الآمنة لإيصال الغذاء والدواء وكل ما يحتاجه أهله الصامدون، تأكيدا على أن معاناتهم ليست شأنا محليا بل قضية إنسانية تمس الضمير العالمي.
كما يضع المؤتمر في صلب أهدافه بناء تحالف إسلامي متماسك يواجه مخاطر الإبادة الجماعية وسياسات التوسع العنصري للاحتلال، ويحول دون تكرار المجازر التي شهدها الفلسطينيون، بحيث يصبح هذا التحالف مظلة تحمي المستضعفين وتمنع تكرار المأساة.
ويطرح مبادرة لتأسيس "حلف فضول عالمي" يعيد الاعتبار للمبادئ الأخلاقية والإنسانية، بآليات قانونية لملاحقة مجرمي الحرب ومحاسبتهم بالعقوبات العادلة.
ومن أهدافه كذلك بلورة "إعلان إسطنبول" كوثيقة مرجعية تطلَق من قلب تركيا لتجمع المؤسسات الحقوقية والبرلمانية والإنسانية حول رؤية مشتركة، تجعل من غزة عنوانا للعدالة العالمية، وتضع الأسس لمنع تكرار العدوان.
مسؤولية إنسانية
ويُنتظر أن يتبنى المؤتمر خطوات عملية لتعزيز هذه الرؤية، منها تشكيل وفود علمائية رفيعة المستوى لزيارة رؤساء الدول الإسلامية وحشد دعمهم السياسي والاقتصادي، وتأسيس لجنة متابعة دائمة تُعنى بتنفيذ توصياته وضمان استمرار الزخم بعد اختتامه.
ألقى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي، البيان الافتتاحي للمؤتمر، مشيرا إلى أن ما يجري في غزة يمثل أخطر كارثة في التاريخ الحديث، ووصفه بأنه شكل من أشكال الإبادة الجماعية التي تستهدف أكثر من 2.5 مليون إنسان.
وأوضح أن سكان القطاع يتعرضون منذ نحو 22 شهرا للقصف والحصار ومنع مقومات الحياة الأساسية. وانتقد صمت المجتمع الدولي وتراجع المواقف الرسمية في العالمين العربي والإسلامي، مقابل تحرك واسع لشعوب ومنظمات مدنية في مختلف دول العالم.

وأكد القره داغي أن قضية غزة ليست شأنا فلسطينيا خالصا، بل تخص الأمة الإسلامية والمجتمع الإنساني، موجها رسالة دعم مباشرة لسكان القطاع، ومشددا على أن انعقاد المؤتمر في إسطنبول يعكس التزام العلماء بأداء دورهم في الدفاع عن فلسطين.
من جانبه، أكد رئيس الشؤون الدينية التركي علي أرباش أن قضية فلسطين تمثل أولوية بالنسبة لأنقرة والعالم الإسلامي. واعتبر أن تحقيق السلام العالمي مرهون بتحقيق السلام في فلسطين، قائلا "إن الاستقرار الدولي لا يمكن أن يتحقق مع استمرار معاناة الفلسطينيين".
وأضاف أن التعاطف وحده لا يكفي، مشددا على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لوقف الهجمات وإغاثة المدنيين في غزة. وانتقد أرباش الصمت الدولي حيال قتل الأطفال والنساء، مؤكدا أن التغاضي عن هذه الجرائم يتعارض مع المبادئ الإنسانية.
تحرك واقعي
من جهته، أكد رئيس هيئة علماء فلسطين نواف تكروري أن المؤتمر يهدف إلى الانتقال من مستوى الأقوال والبيانات إلى خطوات عملية ملموسة، موضحا أن الخطة المعدة تتضمن ورش عمل تخصصية من شأنها أن تضع بين يدي العلماء أدوات واقعية للتحرك.
إعلان
وقال للجزيرة نت، إنه في حال لم يتحقق ذلك، فإن المؤتمر سيكون مجرد تكرار لبيانات سابقة لم تحدث الأثر المطلوب، مضيفا "لكن ما لمسناه من جدية واجتهاد لدى العلماء، ولا سيما الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يؤشر إلى توجه حقيقي نحو بلورة مبادرات عملية".
وأوضح تكروري أن من أبرز هذه المبادرات السعي إلى تشكيل "حلف فضول إنساني" بالتعاون مع قوى حرة في العالم للضغط على إسرائيل وحلفائها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، من أجل وقف الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
ويتجه المؤتمر أيضا -وفقا له- إلى تسيير وفود من كبار العلماء لزيارة قادة الدول الإسلامية، بهدف مطالبتهم بتحمل مسؤولياتهم الشرعية والسياسية، مشيرا إلى أن هذه الخطوة قد تشكل عامل ضغط حقيقيا على الأنظمة، إلى جانب تحفيز الشارع الإسلامي للخروج في حراك واسع تقوده المرجعيات الدينية.
وشدد تكروري على أن المطلوب هو أن يكون هذا المؤتمر مختلفا عن البيانات والتصريحات التي صدرت خلال الأشهر الماضية، ولم تحقق الهدف المنشود، معتبرا أن ما يجري في إسطنبول يمثل "بابا جديدا يُطرق، ومنهجا عمليا يُسلك" لإيجاد حلول أكثر تأثيرا في نصرة غزة والقضية الفلسطينية.
0 تعليق