كتب عيسى سعد الله:
في مشاهد تدمي القلوب فرت آلاف الأسر من منطقة غرب وجنوب جباليا وشرق حي الشيخ رضوان من الموت، بعد أن أمطرتهم قوات الاحتلال بمئات قذائف المدفعية والغارات الجوية منذ ساعات مساء أول من أمس.
وافترش هؤلاء الشوارع بعد أن ضاقت وتقطعت بهم السبل مع انعدام المآوي والخيام والمساحات الفارغة، كما هو الحال مع عائلة المواطن هاني بدر، الذي لم يجد أمامه الا النوم وسط أحد الشوارع في محيط حي النصر غرب مدينة غزة.
وقال بدر لـ"الأيام" إنه فرّ من غرب مدينة جباليا تحت وابل من القصف المدفعي المكثف الذي أودى بحياة عدد كبير من المواطنين خلال محاولتهم الفرار والنزوح باتجاه غرب غزة، مؤكداً أنه لم يعثر على أي مكان فارغ يؤويه.
وتتملك بدر في الأربعينيات من عمره حالة من اليأس والإحباط لعجزه عن اتخاذ أي قرار او فعل أي شيء لحماية أسرته، خاصة الأطفال الذين لم يكفوا عن البكاء.
فيما بدت الصدمة على وجه زوجته وابنته الكبرى سناء التي بدت أكثر خوفاً من المجهول، لاسيما مع توسيع جيش الاحتلال عمليته في مدينة غزة.
ولاحقت الطائرات المسيرة المسلحة جموع النازحين وأطلقت عليهم النار، في محاولة منها لإجبارهم على النزوح إلى محافظات الجنوب الذي يحاول الكثير من النازحين مقاومته وتجنب هذا الخيار القاسي، كما ذكر المواطن علي عاشور، الذي استقر أسفل بناية في منطقة المخابرات غرب مدينة غزة.
وقال: أعلم أن المكان غير ملائم ومؤقت ولكن لا بديل أمامي غير ذلك مع انعدام البدائل وعدم يقيني من العثور على مأوى في الجنوب وكذلك ضعف قدراتي المالية.
وأشار عاشور إلى أن تكلفة رحلة النزوح للجنوب تتجاوز عشرة آلاف شيكل، ما بين مواصلات وشراء خيمة وغيرها من التكاليف الباهظة التي لا يقوى عليها.
ولفت الى انه قاوم النزوح ورفض الخروج من آخر المربعات السكنية في غرب جباليا، ولكنه لم يستطع البقاء مع اقتراب قوات الاحتلال وتفجيرها العديد من المدرعات المفخخة، التي أحدثت دماراً هائلاً وكاد يسقط منزله فوق رؤوسهم.
ووصف ما جرى خلال الساعات الأخيرة في منطقة النزلة غرب جباليا بالأسوأ منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خاصة مع موجة تدمير المنازل الواسعة التي نفذها طائرات الاحتلال، إضافة الى القصف المدفعي المكثف وعمليات إطلاق النار المتواصلة.
وتقدمت قوات كبيرة من جيش الاحتلال وسط وغرب بلدة جباليا ومخيمها، وشرعت بتدمير ما تبقى من منازل عبر القصف الجوي وتفجير "الروبوتات" والمدرعات المفخخة التي تحدث دماراً وأصواتاً مرعبة تسمع عن بعد عشرة كيلو مترات كحد أدنى.
واستبقت قوات الاحتلال عمليات التدمير والاجتياح بإلقاء منشورات تحريضية وأوامر إخلاء للمنطقة من جديد، وصولاً الى الثلث الغربي من حي الشيخ رضوان شمال غربي مدينة غزة المزدحم بالسكان والنازحين.
ويخشى المواطنون الذين يسكنون وسط مدينة غزة من تسارع العمليات العسكرية الإسرائيلية ما يعني حكم الإعدام على أعداد كبيرة منهم لعدم استطاعتهم الخروج من المنطقة لأسباب لوجستية ومادية.
ومن المشاهد القاسية لبدء عملية احتلال مدينة غزة، عدم قدرة الكثير من المواطنين على اصطحاب جثامين أقاربهم بسبب كثافة القصف، كما هو الحال مع أسرة الشهيدين رمضان صالح أبو وردة وعمر أبو وردة اللذين استشهدا خلال محاولتهما الفرار من القصف حيث باغتتهما القذائف ما أدى الى استشهادهما على الفور، وإصابة عدد آخر من أقاربهما تمكنوا من الفرار والوصول الى عيادة الشيخ رضوان.
وقال صالح أبو وردة، وهو ابن الشهيد رمضان، إنه حاول انتشار جثمان والده ولكنه لم يستطع بسبب إطلاق النار الكثيف والقذائف التي انهمرت كالمطر.
وأوضح أبو وردة أن وباقي أفراد أسرته نجوا بأعجوبة رغم إصابة العديد منهم، واصفاً ما جرى مساء أول من أمس في حي النزلة، بأهوال يوم القيامة.
0 تعليق