«ادفع لتلعب».. اقتصاد ترامب الجديد - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في الأشهر الأولى من ولايته الثانية، أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شغفاً لا ينضب بعقد الصفقات، مستخدماً الرسوم الجمركية كسلاح ضغط على الشركاء التجاريين في الخارج، وعلى الشركات الكبرى في الداخل. لكن تطورات الأحداث كشفت عن نهج أكثر إثارة للجدل.. نهج يتمثل باتفاق نادر بين واشنطن وشركتي صناعة الرقائق الأمريكيتين «إنفيديا» و«إيه إم دي»، يمنح الحكومة 15% من عائدات مبيعاتهما من الرقائق في الصين، مقابل الحصول على تراخيص التصدير لأشباه الموصلات!.
الخبراء يرون أن هذه الخطوة تمثل سابقة خطرة، إذ لم يسبق لشركة أمريكية أن دفعت نسبة من إيراداتها للحصول على ترخيص مماثل. هذا الترتيب، الذي يشكك البعض في قانونيته، يعكس انتقال بيئة الأعمال الأمريكية إلى نمط أقرب لاقتصادات الأسواق الناشئة، حيث تمهد القرارات السياسية مسار الشركات أكثر مما تحدده آليات السوق.
جاءت صفقتا عملاقي الرقائق، بعد أن كان ترامب يدرس حظر بيع شرائح «H20» المخصصة للسوق الصينية، قبل أن يتراجع بعد لقائه رئيس «إنفيديا» جينسن هوانغ، الذي تُوّج في النهاية باتفاقية ضريبة الصادرات.
لكن الأمر لا يقتصر على مُصنعي الرقائق، فقد أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «أبل» تيم كوك، مؤخراً، خطة استثمارية بقيمة 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، تمتد لأربع سنوات، في خطوة فُسرت على أنها محاولة لتفادي وقوع الشركة في مرمى نيران ترامب الجمركية، وقد نجحت بالفعل، إذ أعلن سيد البيت الأبيض لاحقاً رسوماً جمركية بنسبة 100% على واردات الرقائق، مستثنياً الشركات التي تنتج داخل أمريكا، وفي مقدمتها صانعة آيفون.
وفي حين أن الشيطان يكمن في تفاصيل هذه الاتفاقيات، صرح باولو بيسكاتور، محلل التكنولوجيا في «بي بي فورسايت»، بأن موجة الصفقات هذه هي محاولة لضمان تخفيف الرسوم الجمركية. وقال: «تأثرت جميع شركات التكنولوجيا الكبرى سلباً، بشكل أو بآخر، بالرسوم الجمركية. ولا يمكنها تحمّل دفع ملايين الدولارات كرسوم إضافية ستضرب أرباحها المستقبلية، كما أكدته الأرقام الأخيرة». ومع ذلك، لفت إلى أن قيادة «أبل» للطريق باستثماراتها الأمريكية المتسارعة من المرجح أن تُحدث «تأثير الدومينو» داخل الصناعة.
بالنسبة لترامب، فرض رسوم على الواردات التي يفضل تصنيعها محلياً أمر منطقي، لأنها تدر إيرادات جمركية، وتعزز الإنتاج المحلي. كما أن بيع الرقائق للصين، رغم المخاوف الأمنية، يظل مصدر دخل للحكومة. لكن منتقدين يحذرون من أن هذه السياسة قصيرة الأمد، تزرع حالة من عدم اليقين لدى الشركات، وتجعل القرارات الاستثمارية رهينة للتفاهمات الشخصية مع الرئيس.
صحيح أن المستثمرين رحّبوا مبدئياً بالصفقة، التي أعادت فتح السوق الصينية أمام «إنفيديا» و«إيه إم دي»، لكنهم أبدوا مخاوف من الشكل الاعتباطي للقرارات. والتساؤلات المطروحة، هل يحق لكل رئيس أن يتحول إلى «صانع ملوك اقتصادي»، وهل يمكن وضع خطط طويلة الأمد، في ظل تغير السياسات بين ليلة وضحاها؟
الجواب أن اقتصاد «ادفع لتلعب»، الذي يرسخه ترامب، على مبدأ «إذا أعطيتني شيئاً، فسأعطيك آخر»، يبدل قواعد اللعبة في الولايات المتحدة، فهو يفتح الباب أمام صفقات فردية تمنح امتيازات للبعض وتحرم الآخرين، ما يُقوض مبدأ سيادة القانون، ويضعف الأساس المستقر الذي قامت عليه القوة الاقتصادية الأمريكية لعقود. والنتيجة: اقتصاد يحكمه التفاوض الشخصي لا القواعد المؤسسية، حيث يربح الأقوياء ويدفع الصغار الثمن.
ويرى هؤلاء أن هذا النمط يعزز نفوذ الشركات العملاقة القادرة على التفاوض و«شراء» الاستثناءات، في حين يضع الشركات الصغيرة والمتوسطة في موقف ضعف، غير قادرة على مجاراة الكبار في سباق النفوذ.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق