رغم استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، إلا أن دوائر صنع القرار في تل أبيب لا تزال تواجه حالة ارتباك بشأن "خطة احتلال غزة"، وسط تصاعد المخاوف من التورط في مستنقع عسكري وأمني طويل الأمد قد يتجاوز قدرة الجيش الإسرائيلي على السيطرة.
أعباء عسكرية واستنزاف بشري
أبرز ما يخشاه الإسرائيليون يتمثل في الكلفة البشرية والعسكرية لاحتلال غزة فالتجارب السابقة، خاصة حرب لبنان عام 1982، أظهرت أن السيطرة العسكرية على مناطق مكتظة بالسكان سرعان ما تتحول إلى حرب استنزاف.
ومع الطبيعة المعقدة لقطاع غزة، الذي يتميز بكثافة سكانية هائلة وشبكات أنفاق تحت الأرض، يخشى قادة الجيش من خسائر متزايدة في صفوف الجنود، ما قد يفجر أزمات داخلية ويضع الحكومة تحت ضغط شعبي متصاعد.
مأزق إدارة السكان
من المخاطر الأخرى التي تثير قلق الاحتلال، مسألة إدارة أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع. فإسرائيل تدرك أن أي سيطرة مباشرة ستضعها أمام مسؤوليات إنسانية وأمنية ضخمة، تشمل توفير الخدمات الأساسية، وضبط الأمن الداخلي، والتعامل مع مقاومة شعبية متواصلة. وهذا ما يجعل خيار "الاحتلال الكامل" غير واقعي من وجهة نظر العديد من الخبراء الإسرائيليين.
عزلة دولية وضغط سياسي
كما يخشى الإسرائيليون من التداعيات السياسية والدبلوماسية. فاحتلال غزة بشكل مباشر قد يضع تل أبيب في مواجهة انتقادات دولية غير مسبوقة، خصوصاً مع تزايد صور الضحايا والدمار. وقد يؤدي ذلك إلى فرض عقوبات أو عزلة دولية، فضلاً عن تراجع الدعم الغربي، بما في ذلك من الولايات المتحدة التي لا ترى مصلحة في تورط إسرائيل بحرب طويلة الأمد في القطاع.
تصاعد قوة المقاومة
رغم الدمار الهائل، يظل الهاجس الأكبر لدى الإسرائيليين هو أن الاحتلال لن ينجح في القضاء على المقاومة، بل قد يدفعها إلى مزيد من التنظيم والانتشار في أشكال جديدة من العمل المسلح، مستفيدة من خبرة طويلة في القتال داخل بيئة حضرية صعبة. وهو ما يعزز المخاوف من أن غزة قد تتحول إلى "مقبرة للجنود الإسرائيليين".
يبدو أن خطة احتلال غزة، التي يُروّج لها بعض الساسة الإسرائيليين كحل لإنهاء تهديد المقاومة، تحمل في طياتها مخاطر أكبر بكثير من مكاسبها المحتملة. فهي قد تضع إسرائيل أمام أزمة أمنية داخلية، ومسؤوليات إنسانية دولية، واستنزاف عسكري طويل الأمد، ما يجعلها خياراً مقلقاً حتى لصناع القرار في تل أبيب.
0 تعليق