اجتماع البيت الأبيض.. هل يرسم ملامح مرحلة جديدة؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الرسالة الأساسية بدت واضحة: الولايات المتحدة، رغم تراجعها النسبي خلال السنوات الماضية، لا تزال اللاعب الوحيد القادر على إعادة خلط الأوراق في صراع يهدد استقرار القارة الأوروبية برمتها.

ورغم الخطاب الاحتفالي الذي رافق القمة، فإن النقاش الحقيقي تمحور حول سؤال مركزي: كيف يمكن هندسة تسوية تحفظ لواشنطن موقعها القيادي، تمنح كييف ضمانات بعدم الانهيار، وتتيح لموسكو مخرجاً يحول دون وصفها بالمهزومة؟

الرؤية الأميركية.. واقعية ترامب وحدود المناورة

أوجز محلل الشؤون الأميركية في "سكاي نيوز عربية" موفق حرب، خلال حديثه إلى "غرفة الاخبار" جوهر المقاربة الأميركية الجديدة بالقول إن الرئيس ترامب ينطلق من قناعة راسخة: "الحرب في أوكرانيا مكلفة ولا يمكن الاستمرار فيها إلى ما لا نهاية".

هذا التصريح يعكس انتقالاً تدريجياً في المزاج السياسي الأميركي من خطاب دعم "غير محدود" لكييف نحو مقاربة أكثر براغماتية، تنظر إلى الصراع من زاوية الكلفة الاقتصادية والعسكرية على الولايات المتحدة وحلفائها.

معادلة "بوتين غير المهزوم"

لكن حرب شدد على أن هذه البراغماتية لا تعني استعداد واشنطن لإعلان هزيمة روسية صريحة. فقد أشار بوضوح إلى أن: "لا يمكن أن يكون بوتين مهزوماً".

هنا يبرز إدراك أميركي بأن أي صيغة تسوية يجب أن تمنح موسكو مخرجاً يحفظ ماء الوجه، ويحول دون اندفاعها نحو تصعيد أخطر أو تقارب استراتيجي أكبر مع الصين.

بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تبدو المعضلة وجودية: أي تنازل إقليمي قد يُقرأ داخلياً كهزيمة سياسية تهدد موقعه وشرعيته. موفق حرب أوضح أن الأوروبيين يحاولون "تخفيف وطأة الكأس المرّة" عبر تغطية جماعية للقرار، بحيث لا يظهر وكأنه استسلام أوكراني منفرد.

بالنسبة لزيلينسكي، الحفاظ على الدولة الأوكرانية واستمرار تدفق الدعم الغربي يتطلب مرونة في المفاوضات. لكنه في الوقت ذاته يواجه رأياً عاماً وطنياً متشدداً يرفض أي تفريط بالأرض. هذه المعضلة تجعل موقعه التفاوضي هشاً، معلقاً بين ضغوط الخارج وممانعة الداخل.

الموقف الأوروبي: ازدواجية المبادئ والمصالح

شدد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، حسني عبيدي، على أن الموقف الأوروبي محكوم باعتبار أساسي: "الدول الأوروبية ترى في قدسية الحدود أساساً للأمن القاري، وتغييرها يفتح الباب أمام سوابق خطيرة."

هذا التصريح يعكس البعد التاريخي للحساسية الأوروبية تجاه مسألة الحدود، حيث يُنظر إلى أي تعديل قسري كتهديد مباشر للنظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية.

غير أن عبيدي أقر بأن الواقع يفرض قيوداً صارمة. فالاقتصاديات الأوروبية تواجه أعباء متزايدة نتيجة العقوبات على روسيا وأزمة الطاقة. كما أن الدعم العسكري والمالي لكييف لم يعد يحظى بالإجماع الشعبي والسياسي ذاته كما في بدايات الحرب.

النتيجة هي مفارقة واضحة: خطاب رسمي متمسك بالمبادئ، يقابله استعداد عملي متزايد للبحث عن تسوية تحفظ الاستقرار الداخلي وتخفف الأعباء.

الضمانات الأمنية: جوهر الصفقة الغامض

أوضح عبيدي أن فكرة "الضمانات الأمنية" لكييف تبقى غامضة وغير محددة، لكن المقترحات الأوروبية تتراوح بين:

نشر قوات لحفظ السلام في مناطق التماس. صياغة آلية دفاعية شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو، دون إدخال أوكرانيا رسمياً في الحلف. تقديم التزامات ثنائية من دول كبرى بتزويد كييف بالسلاح والتدريب بشكل مستمر.

معادلة الردع والطمأنة

هذه الصيغ تمثل محاولة مزدوجة: طمأنة أوكرانيا بأنها لن تُترك وحيدة، دون استفزاز موسكو بإدماج كييف رسمياً في بنية الناتو. غير أن غياب وضوح الآليات التنفيذية يجعل هذه الضمانات أقرب إلى "تعهدات سياسية" من كونها التزامات استراتيجية ملزمة.

من جهته، اعتبر مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية، توم حرب، أن القمة الأخيرة "من أهم القمم منذ الحرب العالمية الثانية"، مضيفاً: "ترامب انتزع ضمانة أمنية تاريخية لأوكرانيا دون إدخالها في الناتو."

بالنسبة لتوم حرب، تمثل القمة فرصة لترامب لتجسيد صورته كزعيم قادر على إبرام "صفقة القرن" في ملف جيوسياسي معقد.

وأضاف توم حرب: "ترامب صاحب كتاب فن الصفقات. إذا تمكن من فرض قمة ثلاثية، فسوف يثبت أنه وحده القادر على التحدث إلى بوتين وزيلينسكي وتحويل النزاع من حرب دامية إلى صفقة شاملة."

هذا التحليل يسلط الضوء على البعد الشخصي والسياسي في مقاربة ترامب، حيث يسعى إلى تحويل الملف الأوكراني إلى ورقة انتخابية داخلية تكرس صورته كصانع صفقات دولية، وتعيد تثبيت موقع الولايات المتحدة كوسيط لا غنى عنه.

الحسابات الروسية

الكاتب والباحث السياسي رولاند بيجاموف أوضح أن موسكو تنظر إلى أي تسوية من زاوية الاعتراف بالواقع الميداني الجديد، مؤكداً أن:
"الكرملين لا يريد اتفاقاً يجمّد النزاع فقط، بل يسعى إلى صياغة اعتراف ضمني بواقع جديد، يكرس مكانة روسيا كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها".

هذا الموقف يعكس الرغبة الروسية في تحويل الإنجازات العسكرية إلى مكاسب سياسية دائمة، وعدم الاكتفاء بوقف إطلاق نار هش أو تجميد للنزاع. بالنسبة لموسكو، أي تسوية تعيدها إلى حدود ما قبل الحرب تعني عملياً هزيمة استراتيجية.

الانقسام السياسي الداخلي يحد من قدرة أي إدارة على المضي في التزامات طويلة الأمد تجاه أوكرانيا. الكونغرس يشهد خلافات حادة حول حجم المساعدات وجدواها.

في كييف، المأزق الداخلي يتمثل في رفض شعبي لأي تنازل إقليمي. زيلينسكي يواجه معضلة الحفاظ على شرعيته من جهة، وضمان بقاء الدعم الغربي من جهة أخرى.

في أوروبا، الرأي العام بات أكثر ميلاً إلى "السلام بأي ثمن"، لكن النخب السياسية تخشى أن يؤدي التسرع في التسوية إلى تقويض الأمن القاري.

في موسكو، بوتين لن يقبل بصفقة تُظهره خاسراً، خاصة بعد ما استثمره من موارد عسكرية وسياسية في الحرب. أي تنازل كبير قد يهدد تماسك النظام داخلياً.

الأبعاد الجيوسياسية الأوسع

الصين تراقب المسار عن كثب. نجاح واشنطن في فرض تسوية سيُقرأ كدليل على استمرار هيمنتها، أما فشلها فسيعزز سردية بكين حول "انحدار الغرب".

الحلف الأطلسي يواجه اختباراً لمصداقيته. فالتسوية التي تُقصي أوكرانيا من عضوية رسمية قد تُقرأ كتنازل استراتيجي، لكنها في الوقت نفسه قد تُجنب الحلف مواجهة مباشرة مع روسيا.

أوروبا تظل الأكثر تأثراً. أزمة الطاقة أظهرت هشاشة الاعتماد على مصادر خارجية، وأي تسوية مع موسكو قد تفتح الباب لإعادة صياغة خريطة الطاقة القارية.

موازين القوى وحدود الممكن

القمة الأميركية الأوكرانية الأوروبية لم تنتج تسوية نهائية، لكنها أعادت واشنطن إلى قلب المسرح السياسي، وأرست معالم معادلة جديدة: تبادل أراضٍ محتمل، ضمانات أمنية غامضة، ومخرج يحفظ ماء وجه موسكو.

ترامب نفسه اختصر المعضلة حين قال إن "الاحتمال 75 بالمئة للفشل، و25 بالمئة للنجاح".

نسبة تبدو متشائمة، لكنها تعكس واقعية باردة: الحرب الأوكرانية ليست مجرد صراع حدود، بل اختبار شامل للنظام الدولي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق