في خطوة حاسمة تهدف إلى ضبط السياسة النقدية في اليمن وتعزيز الاستقرار المالي، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن تعميمًا جديدًا يمنح شركات الصرافة مهلة ثلاثة أيام لنقل أموال المؤسسات الحكومية إلى حسابات البنك المركزي وتقديم بيانات مفصلة حولها.
هذه الخطوة تأتي بعد عشر سنوات من الفوضى المالية التي استغلتها بعض المؤسسات الحكومية في الحرب الحوثية وضعف الرقابة، مما أدى إلى استخدام شركات صرافة غير قانونية لإيداع الإيرادات الحكومية، وهو ما فاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد.
تفاصيل التعميم الجديد للبنك المركزي اليمني
وأوضح البنك المركزي اليمني في تعميمه أن أي شركة أو منشأة صرافة لن يُسمح لها قبول أو الاحتفاظ بأي أموال تخص المؤسسات الحكومية أو الوحدات العامة، معتبرًا هذا النشاط "غير قانوني وخارج نطاق أعمال الصرافة المصرح بها".
وأضاف البيان أن "في حالة وجود أي مبالغ أو أموال تخص الجهات الحكومية لدى شركات الصرافة، يجب نقل هذه الأموال فورًا إلى حسابات الجهات طرف البنك المركزي اليمني وتزويد البنك بالبيانات التفصيلية خلال ثلاثة أيام"، وأكد البنك على أنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد أي شركة لا تلتزم بهذا التعميم.
هذه الإجراءات تأتي ضمن جهود البنك المركزي لضبط السياسة النقدية وإنهاء اعتماد المؤسسات الحكومية على شركات الصرافة في إيداع إيراداتها، وهو ما كان يؤدي إلى انتشار الفساد المالي والاختلاس.
أهمية خطوة البنك المركزي في مكافحة الفساد
يرى مراقبون اقتصاديون أن نقل أموال المؤسسات الحكومية إلى البنك المركزي يعد خطوة أساسية لمكافحة الفساد وضمان الشفافية في التعاملات المالية.
هذا الإجراء يقلل فرص التلاعب المالي ويعزز مبدأ المساءلة، كما يمنع شركات الصرافة من استغلال الأموال الحكومية في المضاربة، وهو الأمر الذي كان سببًا رئيسيًا في انهيار الريال اليمني خلال السنوات الماضية.
وتعكس هذه الخطوة التزام البنك المركزي بحماية العملة المحلية واستقرارها من خلال السيطرة على السيولة النقدية في السوق، واستعادة الثقة في النظام المصرفي المحلي، وهي إجراءات تهدف إلى منع أي أزمات مالية مستقبلية.
الاقتصاد الموازي الحوثي وأثره على اليمن
وفي سياق متصل، أكد وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني، معمر الإرياني، في وقت سابق أن مليشيات الحوثي استحوذت على أكثر من 103 مليارات دولار خلال العقد الماضي من الاقتصاد الموازي في اليمن، وحولتها لتمويل الحرب وتقويض الاقتصاد الوطني.
وأشار الإرياني إلى أن هذه المليشيات "جنت عوائد مالية ضخمة من مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية التي تسيطر عليها بالقوة"، مستغلة غياب الشفافية والانفلات المالي لإثراء قياداتها على حساب ملايين المواطنين الذين يعانون أوضاعًا إنسانية مأساوية.
وأضاف الوزير اليمني أن استمرار الاقتصاد الموازي الحوثي يعني استمرار قدرتهم على تمويل الحرب وإطالة أمد الصراع، بالإضافة إلى تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة وتصاعد الأنشطة الإرهابية العابرة للحدود، بما في ذلك الهجمات على خطوط الملاحة الدولية.
تداعيات الاقتصاد الموازي على العملة المحلية
أسهم الاقتصاد الموازي الحوثي في تدهور القدرة الشرائية للمواطن اليمني، وارتفاع معدلات الفقر، وتضاعف أسعار الغذاء والدواء، وانهيار الخدمات الأساسية. هذا الوضع دفع البنك المركزي اليمني لاتخاذ إجراءات صارمة لحماية الريال اليمني وتعزيز استقرار العملة، بما في ذلك ضبط أموال المؤسسات الحكومية ومنع أي استغلال من قبل شركات الصرافة.
كما يرى خبراء اقتصاديون أن نقل الإيرادات الحكومية إلى البنك المركزي يعد من أهم الخطوات للحد من التلاعب المالي والمضاربة، حيث أن السياسات السابقة سمحت باستنزاف الاحتياطات النقدية وتدهور قيمة العملة المحلية بشكل كبير، قبل أن تتمكن السلطات في عدن من استعادة نصف قيمة الريال أمام العملات الأجنبية.
دور المجتمع الدولي في مواجهة الاقتصاد الموازي الحوثي
أكد المسؤولون اليمنيون على أن مواجهة الاقتصاد الموازي الحوثي تتطلب تعاون المجتمع الدولي، وفرض رقابة صارمة على الموارد التي تستحوذ عليها المليشيات، بالإضافة إلى تطبيق العقوبات على شبكاتها الاقتصادية ومحاسبة الأفراد المتورطين في جرائم النهب وغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويُعتبر الاقتصاد الموازي الحوثي جزءًا من المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة، الساعي للسيطرة على الممرات المائية وإرباك الأمن الإقليمي والدولي. ومن هنا، فإن التعاون الدولي والإجراءات الرقابية تعتبر خطوة حيوية لضمان استقرار الاقتصاد اليمني وحماية العملة المحلية.
تشكل خطوات البنك المركزي اليمني، بمنح شركات الصرافة مهلة ثلاثة أيام لنقل أموال المؤسسات الحكومية، نقطة محورية في ضبط السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي في اليمن. كما تمثل هذه الإجراءات جزءًا من جهود أوسع لمكافحة الفساد، منع التلاعب المالي، وحماية الريال اليمني من الانهيار، في ظل تحديات الاقتصاد الموازي الذي تقوده المليشيات الحوثية.
مع استمرار هذه الإجراءات، يُتوقع أن تسهم في استعادة الثقة بالنظام المصرفي، تحقيق الشفافية المالية، وحماية المواطنين من آثار التضخم والفساد المالي، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في اليمن.
0 تعليق