
خالد محمد علي
خالد محمد علي
أثار لقاء ترامب- بوتين الكثير من محاولات التحليل السياسي والاستخبارى والتوقعات تباينت بين قرب انتهاء الحرب في أوكرانيا بعد نجاح القمة، وبين انقلاب الوضع إلى فرض مزيد من العقوبات على روسيا تماشيًا مع مزاج ترامب المتقلب، وبينما يصر البعض على إنزال قواعد التحليل السياسي التقليدية على تصرفات ترامب أو نتنياهو أو حتى بوتين، إلا أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتحالف ترامب- نتنياهو أظهر لنا قواعد جديدة للتحليل السياسي منها مثلاً: ماذا يريد ترامب من رعاية سلام في الكونغو وراوندا وبدلاً من القول وفقًا للقواعد القديمة أن الرجل يريد تحقيق السلام للحصول على جائزة نوبل ولعب دور رجل السلام في العالم إلا أن الحقيقة قالت إن الرجل جاء ليبتلع الثروات المعدنية الاستراتيجية التي يحتفظ بها كلا البلدين وعندما تدخل في غزة بحجة إنقاذ المدنيين اتضح أنه جاء يبني أبراجًا ويبتلع القطاع كله، وعندما ذهب إلى أذربيجان وأرمينيا فإن توقيع السلام بينهما كان مشروطًا بمنح الشركات الأمريكية حق امتياز لمدة 99 عامًا لإنشاء ممر ترامب الاقتصادي والسيطرة عليه الذي يحرم الصين من تنفيذ مبادرتها الحزام والطريق في هذا المكان الذي يربط بين أسيا وأوروبا.
وأمام كل هذه الحقائق الجديدة لا يمكن تفسير لقاء ترامب بوتين مساء الجمعة الماضي والذي شهد ترحيبًا أمريكيًّا غير مسبوق من الرئيس الأمريكي حيث ظل ترامب يصفق له وهو في حالة نشوة تعكس شكلاً جديدًا وضروريًّا للتفكير لماذا هذا اللقاء وكل تلك الحفاوة؟
وفي هذا الاتجاه يمكن تفسير اللقاء الذي أبدت أوروبا مخاوفها منه بأنه لقاء بين حليفين اتفقا في مراحل سابقة على تحالف أمريكي- روسي يتضمن التسليم السياسي والأمني لروسيا في أوكرانيا مقابل مشاركة أمريكا في الثروات المعدنية الأوكرانية النادرة التي تحتاجها ثورتها التكنولوجية وقد يكون الاتفاق هو تسليم كل الثروات الأوكرانية لترامب مقابل منع دخول حلف الناتو إلى أوكرانيا أو مشاركتها في عضوية الاتحاد الأوروبي وقد تكون آلية تنفيذ ذلك هي إسقاط نظام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بزعم أنه نظام غير شرعي بعد انتهاء مدته الرئاسية.
ويتوسع المراقبون في محاولة قراءة التحالف الأمريكي- الروسي ليصل إلى تشكيل حلف في مواجهة وإضعاف الصين فهو الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليه واشنطن وتسانده أوروبا أيضًا وفي إطار لعبة الخداع التي يجيدها ترامب فهناك احتمالان:
أولهما: أن هناك اتفاقًا واضحًا على التحالف ضد الصين بين روسيا وأمريكا وأوروبا مع وضع تلك الألعاب الخداعية التي تظهر أوروبا ضد التحالف الأمريكي- الروسي.. الاحتمال الثاني: أن امريكا وأوروبا اتفقتا على لعبة خداع ضد روسيا تتضمن تحييدها في المعركة الاقتصادية والعسكرية والأمنية ضد الصين مقابل إغراقها في أطماع السلام وإخراجها من مأزق أوكرانيا ولكن بخطوات بطيئة جدًّا بحيث لا تنتهي قبل التخلص من قدرات الصين.
وهكذا تبدو لعبة الخداع الكبرى هي الحاكم في التحليل السياسي وليس القواعد العلمية القديمة التي يبدو أنها انتهت، وعلينا أن نفكر دائمًا بصوت عالٍ في كل حدث سياسي ونصرخ: وماذا وراء الخداع؟
0 تعليق