مع انعقاد قمة ألاسكا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، يترقب العالم مخرجات هذا اللقاء الذي يأتي في لحظة فارقة من الحرب الأوكرانية، وسط ضبابية حول ما إذا كان سيُفضي إلى تفاهمات ملموسة أم مجرد استعراض سياسي. فبينما يسعى بوتين إلى كسر طوق العقوبات واستعادة مكانة روسيا الدولية، يطمح ترامب إلى توظيف القمة لتعزيز صورته كزعيم قادر على صنع السلام، ولو عبر اتفاقات شكلية لا تغيّر جوهر الأزمة. وفي قلب هذه المعادلة، يقف زيلينسكي والاتحاد الأوروبي في موقع المتفرج القَلِق، محكومَين بما يقرره الرجلان على طاولة ألاسكا.
ربما يكشف المشخهد الجاري، أنَّ قِمَّة ألَاسْكا بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين لا يُتوقع أن تُسفر عن اتفاق سلام حقيقي لأوكرانيا، ولا عن حضور زيلينسكي أو أي من قادة الاتحاد الأوروبي، بل ستظل مرهونة بما يقرره زعيمان يتعاملان مع المشهد من منظور، يستهدف توسيع النفوذ.
أوراق بوتين على الطاولة
يصل الرئيس الروسي محمّلًا بإحباطات عسكرية لم تنجح في حسم الحرب الأوكرانية، لكنه يستند إلى تقدّم ميداني وصمود اقتصادي أمام العقوبات. هواجسه الحقيقية ليست عسكرية بقدر ما هي مالية، إذ يخشى مصادرة نحو 300 مليار دولار من أصوله المجمدة، أو فرض رسوم أمريكية على الصين والهند قد تقطع شرايين دعم موسكو. لذلك، يرى أن مجرد وقوف ترامب إلى جانبه، ولو بعبارات تفاوضية غامضة، يمنحه فسحة زمنية ومبادرة استراتيجية.
أهداف ترامب الخفية
في المقابل، لا يطمح ترامب إلى اتفاق جوهري، بقدر ما يسعى إلى مكاسب آنية. فهو من ناحية يريد إعادة توجيه الموارد الأمريكية بعيدًا عن أوكرانيا لمواجهة الصين، ومن ناحية أخرى تسيطر عليه نزعة شخصية إلى حصد "جائزة نوبل للسلام". لذا فإن أي اتفاق شكلي، حتى لو كان مجحفًا بحق كييف والاتحاد الأوروبي، سيُسوّقه كإنجاز تاريخي.
المأزق الأوكراني والأوروبي
زيلينسكي يبدو الأكثر تضررًا من سيناريوهات القمة، إذ يُخشى أن يُصوَّر كـ "عدو للسلام" إذا رفض تسوية غامضة أو وقفًا هشًا لإطلاق النار لا يلزم موسكو بالتنازل عن مطالبها الكبرى: اقتطاع أراضٍ أوكرانية، منع الانضمام إلى الناتو، وتقليص قدرات بلاده العسكرية. أما الاتحاد الأوروبي، فهو محكوم بمنطق "تجنّب الصدام مع واشنطن"، ما يجعله تابعًا أكثر منه شريكًا في صياغة الحلول.
بين الحلم والواقع
بالنسبة لبوتين، قد تمثل قمة ألاسكا خطوة لإعادة تقديم نفسه كقوة عظمى، أما ترامب فيسعى لترسيخ صورته كصانع سلام عالمي. لكن بين هذين الطموحين، يظل زيلينسكي محاصرًا بعجز عسكري وقيود سياسية، بينما يقف الاتحاد الأوروبي مترددًا بلا رؤية مستقلة. وفي النهاية، قد لا تحمل القمة سوى اتفاق رمزي يجمّل صورة الزعيمين دون أن يغيّر حقائق الميدان أو يخفف معاناة أوكرانيا.
جدير بالذكر، قبيل قمة ألاسكا، صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيتمكّن من معرفة إن كان اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون ناجحًا أم فاشلًا خلال الدقائق الأولى من المحادثات. وأكد أن الانطباع الأول سيكون حاسمًا في تحديد مسار اللقاء.
قضى الزعيمان نحو عشر دقائق بمفردهما داخل السيارة الرئاسية الأمريكية المعروفة بـ "الوحش"، من دون حضور مترجمين، قبل أن ينتقلا إلى جلسة موسّعة مع كبار مساعديهما استغرقت قرابة ساعة ونصف.
0 تعليق