نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الثّغاء - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 11:15 صباحاً
هرم مصر - أ.أحلام محسن زلزلة
غصّة في النّفس، هندسة جمهور مسكين يصفّق لوجعٍ متلألئ بالأضواء، وبناء ليل من المفرقعات النّارية، ووحي هوائي يزرع مقاعد السّعادة بين الغيوم.
اجتاحنا فن الغناء ليربكنا في زمنٍ ربّما أصيل، غناءٌ يشبه الدّايت القاسي، سريع المفعول لكن لا إمكان للمواظبة عليه لأن ضرره أكثر من نفعه.
لقد تحوّلت المنصّات إلى حلبات مصارعة مع الميكرفون، والمغنّي بطل يفزعك بضربات متتالية على أذنيك فيصمّهما بشخيره الرّفيع المستوى.
يقيس نجاحه بتصفيف شعره وبإطلالته العصريّة ونظارته السّوداء الدّاكنة، يخفي تحتها نظرات الاستخفاف بالجمهور الغائب عن الوعي.
يفتخر بعدد "اللّايكات" وطبلٍ يُحرّك الأرجل أكثر من القلوب.
المغنّي متفنّن بالثّغاء المنفّر يواري سوأته بمؤثّرات من الذّكاء الصّناعي، وبأعداد الحاضرين من عائلتة وأصدقائه المعجبين بحسنه، يعتقدون أن ما يسمعونه هو فنّ راق معاصر، بينما هو في الواقع تلوّث سمعيّ مدعّم بتلوّث بصريّ.
يهبط المطرب الفضائّي من عالم غيريّ، يهدي الجمال على هيئة صراخ ليرتكب جريمة متعمدة في حق الأذواق المرهفة.
يظنّ أنّه يتقلّد مفاتيح الجَنّة لكائنات ظامئة الى فنّ صاخب سطحيّ، من زواحف المكروبين العطاشى لفنّ الثّغاء.
والمفارقة الكبرى أنّ الجمهور اعتاد على صوت الجواريش. يتنازل عن الطّرب في مقابل الرّقص، فالمهم أن يعرض فيديو مع الصيّاح الشّهير على "التّيك توك"، وهو يندفع بين الجموع الغفيرة ليقبّل يده ثمّ يدبك معه على كلمات منحطّة، وهو في قرارة نفسه يعلم أنّ صاحبنا بمفهوم الفنّ الحقيقيّ، يحكم عليه بالنّفي خارج مناطق الجمال والذّوق السّليم.
والعجيب في الأمر أنّ هذا الغناء أصبح أداة إزعاج حضاري. يعيش ويتكاثر بأداء أكثر تكلّفاً، وطرب أكثر صراخاً.
والحفلات الّتي تقام في البلدان الموجوعة الّتي تتلوى حزناً وانكساراً لتخفيف آلامها، فلا مفرّ لها من الغرق في الهمّ.
الفنّ سموّ وإيقاظ للجمال، أما اليوم فهو حالة هستيرية من القفز والهزّ، يحدث نجوماً منطفئة تعيش على وهم الجماهير المخدوعة.
هذا الغناء لا يشبهنا بل يسطّح أدمغتنا المتعفنة بالخبل. لقد شيّع وميض الأمل إلى الدّرك الأخير، ثملاً بالأضواء الكاذبة، والأنغام المزيّفة.
على من يقع اللّوم يا ترى؟ على المجتمع الآليّ الّذي يشجع الابتذال أم على جمهورٍ يرى الطّرب رقصاً وثغاء أصيلاً؟
فهل نحن جرحى الفنّ الهابط؟ أم مجرّد جمهور يشجّع عاهات فنية تلمع نجوميّتها تحت قرع الطّبول الفارغة؟
0 تعليق