فاتورة الإنماء تدفع بالوضوح - هرم مصر

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فاتورة الإنماء تدفع بالوضوح - هرم مصر, اليوم الاثنين 8 سبتمبر 2025 11:06 صباحاً

هرم مصر - المحامي ربيع حنا طنوس

في البدء كان الهدر، وكانت الصفقات تُعقد كما تُعقد الظلال في زوايا الإدارات، بلا نور ولا أثر. ثم جاء قانون الشراء العام، لا كأداة تقنية فحسب بل كخطوةٍ نحو دولة تجرؤ على أن تنظر في ذاتها من دون خجل. 
لقد جرت الانتخابات البلدية، وتجّددت معها لغة الوعود، والمشاريع، والانطلاقات الإنمائية التي يُراد أن تكون قاطرةً للتغيير. لكن هذا التغيير، إن لم يُحمَ بقواعد واضحة للشفافية والمساءلة، يبقى مجرّد وهج خطابي يُطفئه أول احتكاك بالمصالح والمحاصصات.
إن قانون الشراء العام، الصادر بموجب القانون رقم ٢٤٤/ ٢٠٢١ لم يُضع ليكون ورقة تضاف إلى ركام التشريعات، بل أتى ليرسم مساراً ملزماً لكل من ينفق من المال العام، وعلى رأس هؤلاء البلديات واتحاداتها بوصفها أشخاصاً من القانون العام، ولأنها المعني الأول بالإنفاق المحلي الذي يلامس حاجات الناس اليومية.

 

 

 

 

جاء في المادة الثانية من القانون ما لا يحتمل التأويل: " تسري أحكام هذا القانون على جميع الجهات العامة، والمؤسسات العامة، والبلديات واتحادات البلديات…".
بهذا النص، يخرج القانون من مركزية العاصمة ليصل إلى تخوم القرى، ويمسي الإنفاق البلدي خاضعاً لمعايير لا لشهوات، ولمنصات لا لغرف مغلقة. 
وإذا كان الجميع يتغنى باللامركزية، فإن تطبيق قانون الشراء العام هو الشرط الأوليّ لولادة لامركزية حقيقية لا يسلّم المال من المركز إلى الأطراف كي يُهدر، بل تنقل الصلاحيات ضمن نظام رقابي متكامل، يحمي المال العام ويعزّز الثقة بين الدولة ومواطنيها.
لقد نص القانون في مواده بشكل دقيق على وجوب اتباع مسار موحد وشفاف للصفقات العمومية، يبدأ بتحديد الحاجات، مروراً بإعداد دفاتر الشروط، ثم الإعلان، واستقبال العروض، وتحليلها، وتلزيم ضمن معايير المنافسة والمساواة. 
وما يميّز هذا القانون عن غيره، هو أنه لم يُترك رهينة الإدارة منفردة، بل رُبط بمرجعية رقابية مستقلة: هيئة الشراء العام، التي تمارس دور الرقابة المسبقة واللاحقة، وتشكل سلطة معنوية تُجبر الجهات الشارية، ومنها البلديات، على الخضوع لمساءلة حقيقية لا شكلية.
لكن التحدي لا يمكن فقط في وجود النص، بل في إرادة تطبيقه على مستوى السلطات المحلية التي اعتادت، في كثير من الحالات العمل خارج أطر الرقابة، تحت ستار "الاستقلال البلدي" أو "الخصوصيات المناطقية"… وهي حجج سرعان ما تسقط حين نضعها أمام مفاهيم الشفافية وحماية المال العام. البلدية، وإن كانت تتمتع بشخصية معنوية مستقلة تبقى في صلب المنظومة العامة، وهي مكوّن أساسي في مشروع اللامركزية الإدارية، لا تتحقق هذه الأخيرة إلا إذا اقترنت بتوازن دقيق بين الصلاحية والمحاسبة، وبين حرية القرار ومساءلة الإنفاق، بل أكثر من ذلك، فإن عدم تطبيق قانون الشراء العام على البلديات، أو تساهل الهيئات الرقابية معها، يعد خرقاً جوهرياً لمبدأ العدالة بين المواطنين، ويفتح الباب أمام ازدواجية قانونية قاتلة، حيث يُحاسب المركز ويعفى الهامش فيما الضحية واحدة: المال العام وثقة الناس. 
في بلدٍ تكتب فيه القوانين كما تكتب القصائد على الماء، لا يكفي أن نعلن نية الإصلاح، بل لا بد من أن نُخضع النية للتجربة، والتجربة للمحاسبة.
قانون الشراء العام ليس تفصيلاً بيروقراطياً، بل هو مرآة تظهر مدى التزام الدولة بمعايير الدولة. وإذا لم تطبّقه البلديات، فإن اللامركزية التي نطمح إليها لن تكون سوى لامركزية في الفساد، لا التنمية.
لقد أُسدل ستار الانتخابات البلدية، وتسلّم الفائزون دفاتر المسؤولية، لا دفاتر الشروط فقط. وحيث يبدأ مشروع الماء والكهرباء والنقل والحدائق والطرقات… هناك يجب أن يبدأ القانون، لا أن ينتهي.
فلتكن البداية من حيث يجب أن تكون، من احترام القانون لا من الالتفاف عليه، من الحبر النزيه لا من التواقيع المعتادة، لأن الشرعية لا تُمنح بالصناديق وحدها، بل تُبنى كل يوم في تفاصيل الإنفاق، في وضوح السطر وفي نظافة الورقة التي يُكتب عليها اسم الوطن.

                                                                                             
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق